تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٣٢٢
إعمالها إعمال ليس. نحو قول الشاعر:
* تعز فلا شيء على الأرض باقيا * ولا وزر مما قضى الله واقيا * الإشارة بذلك غلى جري الشمس. أي: ذلك الجري على ذلك التقدير والحساب الدقيق، تقدير (العزيز) الغالب بقدرته على كل مقدور، المحيط علما بكل معلوم. وقرأ الحرميان وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه (والقمر) بالرفع على الابتداء. وباقي السبعة بالنصب على الاشتغال.. و (قدرناه) على حذف مضاف. أي: قدرنا سيره. و (منازل) طرف أي منازلة. وقيل: قدرنا نوره فيزيد مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية، وينقص في المنازل الاستقبالية، وقيل (قدرناه) جعلنا أنه أجرى عكس منازل أنوار الشمس، ولا يحتاج إلى حذف حرف الصفة فإن جرم القمر المظلم ينزل فيه النور لقبول عكس ضياء الشمس مثل المرآة المجلوة إذا قوبل بها الشعاع، وهذه المنازل معروفة عند العرب، وهي ثمانية وعشرون منزلة القمر كل ليلة في واحدة منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه على تقدير مستو لا بتفاوت يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يسير ليلتين إذا نقص الشهر، وهذه المنازل هي مواقع النجوم التي نسبت إليها العرب الأنواء المستمطرة وهي: الشرطين، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة،، الدبرة، الصرفة، العواء، السماك، العفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرع الدلو المقدم، فرع الدلو المؤخر، بطن الحوت، ويقال له: الرشاء، فإذا كان في ى خر منازله دق واستقوس واصفر فشبه بالعرجون القديم من ثلاثة الأوجه، وقرأ سليمان التيمي (كالعرجون) بكسر العين وفتح الجيم. والجمهور بضمهما. وهما لغتان كالبريون. و (القديم) ما مر عليه زمان طويل. وقيل: أقل عدة الموصوف بالقدم حول، فلو قال رجل: كل مملوك لي قديم فهو حر، أو كتب ذلك في وصية، عتق منهم من مضى له حول وأكثر '. انتهى. والقدم: أمر نسبي وقد يطلق على ما ليس له سنة، ولا سنتان، فلا يقال: العالم قديم وإنما تعتبر العادة في ذلك. (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) (ينبغي لها) مستعملة فيما لا يمكن خلافه. أي: لم يجعل لها قدرة على ذلك، وهذا الإدراك المنبغي هو: قال الزمخشري: ' إن الله تعالى جعل لكل واحد من الليل والنهار وآيتيهما قسما من الزمان، وضرب له حدا معلوما، ودبر أمرهما على التعاقب، فلا ينبغي للشمس أن يستهل لها، ولا يصح ولا يستقيم لوقوع التدبير على العاقبة. وإن جعل لكل واحد من النيرين سلطان على حياله أن يدرك القمر، فتجتمع معه في وقت واحد، وتدخله في سلطانه، فتطمس نوره، ولا يسبق الليل النهار: يعني: آية الليل آية النهار، وهما النيران، ولا يزال الأمر على هذا الترتيب إلى أن يبطل الله ما دبر من ذلك، وينقص ما ألف فيجمع بين الشمس والقمر، فتطلع الشمس من مغربها '. انتهى. وقال ابن عباس والضحاك: ' إذا طلعت لم يكن للقمر ضوء وإذا طلع لم يكن للشمس ضوء '. وقال مجاهد: ' لا يشبه ضوء أحدهما ضوء الآخر '. وقال قتادة: ' لكل أحد حد لا يعدوه ولا يقصر دونه إذا جاء سلطان هذا ذهب هذا '. وقال ابن عباس أيضا: ' إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر في منازل لا يشتركان فيها '، وقال الحسن: ' لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة. أي: لا تبقي الشمس حتى يطلع الفجر ولكن إذا غربت طلع '. وقال يحيى بن سلام: ' لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها '. وقيل: ' لا يمكنها أن تدركه في سرعته، لأن دائرة فلك القمر داخله في فلك عطارد داخل في فلك الزهرة، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس، فإذا كان طريق الشمس أبعععد قطع القمر جميع أجزاء فلكه، أي: من البروج الاثني عشر في زمان تقطع الشمس فيه برجا واحدا من فلكه.
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 327 328 ... » »»