جميعهم، وكفوا خوفا من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه، وهو الإغراء والجلاء والأخذ والقتل. وقيل: لم يمتثلوا للانتهاء جملة، ولا نفذ عليهم الوعيد كاملا. ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد، ونهيه عن الصلاة عليهم، وما نزل فيهم في سورة براءة؟ وأبعد من ذهب إلى أنه لم ينته هؤلاء الأصناف، ولم ينفذ الله الوعيد عليهم، ففيه دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة، ويكون هذا الوعيد مفروضا ومشروطا بالمشيئة.
* (سنة الله) *: مصدر مؤكد، أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا حيثما ظفر بهم. وعن مقاتل: كما قتل أهل بدر وأسروا، فالذين خلوا يشمل أتباع الأنبياء الذين نافقوا، ومن قتل يوم بدر. * (يسئلك الناس) *: أي المشركون، عن وقت قيام الساعة، استعجالا على سبيل الهزء، واليهود على سبيل الامتحان، إذ كانت معمى وقتها في التوراة، فنزلت الآية بأن يرد العلم إلى الله، إذ لم يطلع عليها ملكا ولا نبيا. ولما ذكر حالهم في الدنيا أنهم معلونون مهانون مقتولون، بين حالهم في الآخرة. * (وما يدريك) *: ما استفهام في موضع رفع بالابتداء، أي: وأي شيء يدريك بها؟ ومعناه النفي، أي ما يدريك بها أحد. * (لعل الساعة تكون قريبا) *: بين قرب الساعة، وفي ذلك تسلية للممتحن، وتهديد للمستعجل. وانتصب قريبا على الظرف، أي في زمان قريب، إذ استعماله ظرفا كثير، ويستعمل أيضا غير ظرف، تقول: إن قريبا منك زيد، فجاز أن يكون التقدير شيئا قريبا، أو تكون الساعة بمعنى الوقت، فذكر قريبا على المعنى. أو يكون التقدير: لعل قيام الساعة، فلوحظ الساعة في تكون فأنث، ولوحظ المضاف المحذوف وهو قيام في قريبا فذكر.
* (يوم تقلب وجوههم فى النار) *: يجوز أن ينتصب يوم بقوله: * (لا يجدون) *، ويكون يقولون استئناف إخبار عنهم، أو تم الكلام عند قولهم: * (ولا نصيرا) *. وينتصب يوم بقوله: * (يقولون) *، أو بمحذوف، أي اذكر ويقولون حال. وقرأ الجمهور: تقلب مبنيا للمفعول؛ والحسن، وعيسى، وأبو جعفر الرواسي: بفتح التاء، أي تتقلب؛ وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة. وقال ابن خالويه عن أبي حيوة: نقلب بالنون، وجوههم بالنصب. وحكاها ابن عطية عن أبي حيوة أيضا وخارجة. زاد صاحب اللوامح أنها قراءة عيسى البصري. وقرأ عيسى الكوفي كذلك، إلا أن بدل النون تاء، وفاعل تقلب ضمير يعود على * (سعيرا) *، وعلى جهنم أسند إليهما اتساعا. وقراءة ابن أبي عبلة: تتقلب بتاءين، وتقليب الوجوه في النار: تحركها في الجهات، أو تغيرها عن هيئاتها، أو إلقاؤها في النار منكوسة. والظاهر هو الأول، والوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا قلب في النار كان تقليب ما سواه أولى. وعبر بالوجه عن الجملة، وتمنيهم حيث لا ينفع، وتشكيهم من كبرائهم لا يجدي. وقرأ الجمهور: * (سادتنا) *، جمعا على وزن فعلات، أصله سودة، وهو شاذ في جمع فيعل، فإن جعلت جمع سائد قرب من القياس. وقرأ الحسن، وأبو رجاء، وقتادة، والسلمي، وابن عامر، والعامة في الجامع بالبصرة: ساداتنا على الجمع بالألف والتاء، وهو لا ينقاس، كسوقات ومواليات بني هاشم وسادتهم، رؤساء الكفر الذين لقنوهم الكفر وزينوه لهم. قال قتادة: سادتنا: رؤساؤنا. وقال طاوس: أشرافنا؛ وقال أبو أسامة: أمراؤنا، وقال الشاعر:
* تسلسل قوم سادة ثم زادة * يبدون أهل الجمع يوم المحصب * ويقال: ضل السبيل، وضل عن السبيل. فإذا دخلت همزة النقل تعدى لاثنين؛ وتقدم الكلام على إثبات الألف في الرسولا والسبيلا في قوله: * (وتظنون بالله الظنونا) *. ولما لم يجد تمنيهم الإيمان بطاعة الله ورسوله، ولا قام لهم عذر في تشكيهم ممن أضلهم، دعوا على ساداتهم. * (ربنا ءاتهم ضعفين من العذاب) *: ضعفا على ضلالهم في أنفسهم، وضعفا على إضلال من أضلوا. وقرأ الجمهور: كثيرا بالثاء المثلثة. وقرأ حذيفة بن اليمان، وابن عامر، وعاصم، والأعرج: بخلاف عنه بالباء. * (كالذين ءاذوا موسى) *، قيل: نزلت في شأن زيد وزينب، وما سمع فيه من قاله بعض الناس. وقيل: المراد حديث الإفك على أنه ما أوذي نبي مثل ما أوذيت. وفي حديث الرجل الذي قال لقسم قسمه رسول الله: إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله، فغضب وقال: رحم الله أخي موسى، لقد أوذي أكثر من هذا فصبر. وإذاية موسى قولهم: إنه أبرص وآدر، وأنه حسد أخاه