البار والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت. وقال مجاهد: طعم معه بعض أصحابه، ومعهم عائشة، فمست يد رجل منهم يد عائشة، فكره ذلك عليه السلام، فنزلت آية الحجاب.
ولما كان نزول الآية في شيء خاص وقع للصحابة، لم يدل ذلك على أنه لا يجوز دخول بيوت النبي إلا إن كان عن إذن * (إلى طعام غير ناظرين إناه) *، لا يجوز دخول بيوته، عليه السلام، إلا بإذن، سواء كان لطعام أم لغيره. وأيضا فإذا كان النهي إلا بإذن إلى طعام، وهو ما تمس الحاجة إليه لجهة الأولى. و * (بيوت) *: جمع، وإن كانت الواقعة في بيت واحد خاص يعم جميع بيوته. و * (إلا أن يؤذن) *، قال الزمخشري: * (إلا أن يؤذن) * في معنى الظرف تقديره: وقت أن يؤذن لكم، و * (غير ناظرين) *: حال من * (لا تدخلوا) *، أوقع الاستثناء على الوقت والحال معا، كأنه قيل: لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن، ولا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه. انتهى. فقوله: * (إلا أن يؤذن) * في معنى الظرف وتقديره: وقت أن يؤذن لكم، وأنه أوقع الاستثناء على الوقت فليس بصحيح، وقد نصوا على أن أن المصدرية لا تكون في معنى الظرف. تقول: أجيئك صياح الديك وقدوم الحاج، ولا يجوز: أجيئك أن يصيح الديك ولا أن يقدم الحاج. وأما أن الاستثناء وقع على الوقت والحال معا، فلا يجوز على مذهب الجمهور، ولا يقع بعد إلا في الاستثناء إلا المستثنى، أو المستثنى منه، أو صفة المستثنى منه: وأجاز الأخفش والكسائي ذلك في الحال، أجازا: ما ذهب القوم إلا يوم الجمعة راحلين عنا، فيجوز ما قاله الزمخشري في الحال. وأما قوله: * (إلا أن يؤذن لكم) *، فلا يتعين أن يكون ظرفا، لأنه يكون التقدير: إلا بأن يؤذن لكم، فتكون الباء للسببية، كقوله: * (فأخرجنا به من كل الثمرات) *، أو للحال، أي مصحوبين بالإذن. وأما * (غير ناظرين) *، كما قرر في قوله: * (بالبينات والزبر) *. أرسلناهم بالبينات والزبر، دل عليه * (لا تدخلوا) *، كما دل عليه أرسلناهم قوله: * (وما أرسلنا) *. ومعنى * (غير ناظرين) * فحال، والعامل فيه محذوف تقديره: ادخلوا بالإذن غير ناظرين. كما قرر في قوله: * (بالبينات والزبر) *، أي غير منتظرين وقته، أي وقت استوائه وتهيئته. وقرأ الجمهور: * (غير) * بالنصب على الحال؛ وابن أبي عبلة: بالكسر، صفة لطعام. قال الزمخشري: وليس بالوجه، لأنه جرى على غير من هو له، فمن حق ضمير ما هو له أن يبرز من إلى اللفظ، فيقال: غير ناظرين إناه أنتم، كقوله: هند زيد ضاربته هي. انتهى. وحذف هذا الضمير جائزو عند الكوفيين إذا لم يلبس وأنى الطعام إدراكه، يقال: أني الطعام أنى، كقوله: قلاه قلى، وقيل: وقته، أي غير ناظرين ساعة أكله. وقرأ الجمهور: إناه مفردا؛ والأعمش: إناءه، بمدة بعد النون. ورتب تعالى الدخول على أن يدعوا، فلا يقدمون عليه الدخول حين يدعوا، ثم أمر بالاستثناء إذا طعموا. * (ولا مستأنسين لحديث) *: معطوف على * (ناظرين) *، فهو مجرور أو معطوف على * (غير) *، فهو منصوب، أي لا تدخلوها لا ناظرين ولا مستأنسين. وقيل: ثم حال محذوفة، أي لا تدخلوها أجمعين ولا مستأنسين، فيعطف عليه. واللام في * (لحديث) * إما لام العلة، نهوا أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدثه، به أو اللام المقوية لطلب اسم الفاعل للمفعول، فنهوا أن يستأنسوا حديث أهل البيت. واستئناسه: تسمعه وتوحشه.
* (إن ذلكم) *: أي انتظاركم واستئناسكم، * (يؤذى النبى فيستحيى منكم) *: أي من إنهاضكم من البيوت، أو من إخراجكم منها بدليل قوله: * (والله لا يستحى من الحق) *: يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه. ولما كان الحياء مما يمنع الحي من بعض الأفعال، قيل: * (لا تدخلوا بيوت النبى) * بمعنى: لا يمتنع، وجاء ذلك على سبيل المقابلة لقوله: * (فيستحيى منكم) *. وعن عائشة، وابن عباس: حسبك في الثقلاء، أن الله لم يحتملهم. وقرئت هذه الآية بين يدي إسماعيل بن أبي حكيم فقال: هنا أدب أدب الله به الثقلاء. وقرأت فرقة: فيستحيي بكسر الحاء، مضارع استحى، وهي لغة بني تميم. واختلفوا ما المحذوف، أعين الكلمة أم لامها؟ فإن كان العين فوزنها يستفل، وإن كان اللام فوزنها يستفع، والترجيح مذكور في النحو. وقرأ الجمهور: بياءين وسكون الحاء، والمتاع عام في ما يمكن أن يطلب على عرف