السكنى والمجاورة من المواعين وسائر المرافق للدين والدنيا. * (ذالكم) *، أي السؤال من وراء الحجاب، * (أطهر) *: يريد من الخواطر التي تخطر للرجال في أمر النساء، والنساء في امر الرجال، إذ الرؤية سبب التعلق والفتنة. ألا ترى إلى قول الشاعر:
* والمرء ما دام ذاعين يقلبها * في أعين العين موقوف على الخطر * يسر مقلته ما ساء مهجته لامر حبا بانتفاع جاء بالضرر * وذكر أن بعضهم قال: انتهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب؟ لئن مات محمد لا تزوجن فلانة. وقال ابن عباس وبعض الصحابة: وفلانة عائشة. وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيد الله. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح على طلحة فإن الله عصمه منه. وفي التحرير أنه طلحة، فنزلت: * (ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) *، فتاب وأعتق رقبة، وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله، وحج ماشيا.
وروي أن بعض المنافقين قال: حين تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أم سلمة بعده، أي بعد سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا؟ والله لو قد مات لأجلنا السهام على نسائه. ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وارتدت العرب ثم رجعت، تزوج عكرمة ابن أبي جهل قتيلة بنت الأشعث بن قيس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قد تزوجها ولم يبن بها. فصعب ذلك على أبي بكر وقلق، فقال له عمر: مهلا يا خليفة رسول الله، إنها ليست من نسائه، إنه لم يبن بها، ولا أرخى عليها حجابا، وقد أبانتها منه ردتها مع قومها. فسكن أبو بكر، وذهب عمر إلى أن لا يشهد جنازة زينب إلا ذو محرم عنها، مراعاة للحجاب، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش في القبة، وأعلمته أنها رأت ذلك في بلاد الحبشة، ومنعه عمر. وروي أنه صنع ذلك في جنازة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
* (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) *: عام في كل ما يتأذى به، * (ولا أن تنكحوا) *: خاص بعد عام، لأن ذلك يكون أعظم الأذى، فحرم الله نكاح أزواجه بعد وفاته. * (إن ذلكم) *: أي إذايته ونكاح أزواجه، * (كان عند الله عظيما) *: وهذا من أعلام تعظيم الله لرسوله، وإيجابه حرمته حيا وميتا، وإعلامه بذلك مما طيب به نفسه، فإن نحو هذا مما يحدث به المرء نفسه. ومن الناس من تفرط غيرته على حرمته حتى يتمنى لها الموت، لئلا تنكح من بعده، وخصوصا العرب، فإنهم أشد الناس غيرة. وحكى الزمخشري أن بعض الفتيان قبل جارية كان يحبها في حكاية قال: تصورا لما عسى أن يتفق من بقائها بعده، وحصولها تحت يد غيره. انتهى. فقال لما عسى، صلة للموصول، وقد كثر منه هذا وهو لا يجوز. وعن بعض الفقهاء، أن الزوج الثاني في هدير الثلث يجري مجرى العقوبة، فعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، عملا يلاحظ ذلك. * (إن تبدوا شيئا أو تخفوه) *: وعيد لما تقدم التعرض به في الآية ممن أشير إليه بقوله: * (ذالكم أطهر) *، ومن أشير إليه: * (وما كان لكم أن تؤذوا) *، فقيل: * (إن تبدوا شيئا) * على ألسنتكم، * (* أوتخفوه) * في صدوركم، مما يقع عليه العقاب، فالله يعلمه، فيجازي عليه. وقال: * (تك شيئا) *، ليدخل فيه ما يؤذيه، عليه السلام، من نكاحهن وغيره، وهو صالح لكل باد وخاف.
وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال: الآباء والأبناء والأقارب، أو نحن يا رسول الله أيضا، نكلمهن من وراء حجاب، فنزلت: * (لا جناح عليهن) *: أي لا إثم عليهن. قال قتادة: في ترك الحجاب. وقال مجاهد: في وضع الجلباب وإبداء الزينة. وقال الشعبي: لم يذكر العم والخال، وإن كانا من المحارم، لئلا يصفا للأبناء، وليسوا من المحارم. وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها، وقيل: لأنهما يجريان مجرى الوالدين، وقد جاءت تسمية العم أبا. وذكر هنا بعض المحارم، والجميع في سورة النور. ودخل في: * (ولا نسائهن) *