تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٥
ابتغيت ممن عزلت ومن عزلت سواء، لا جناح عليك. كما تقول: من لقيك ممن لم يلقك، جميعهم لك شاكر، تريد من لقيك ومن لم يلقك، وفي هذا الوجه حذف المعطوف، وغرابة في الدلالة على هذا المعنى بهذا التركيب، والراجح القول الأول. وقال الحسن: المعنى: من مات من نسائك اللواتي عندك، أو خليت سبيلها، فلا جناح عليك أن تستبدل عوضها من اللاتي أحللت لك، فلا تزداد على عدة نسائك اللاتي عندك. وقال الزمخشري: بمعنى تترك مضاجع من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت، أو تترك من تشاء من أمتك وتتزوج من شئت. وعن الحسن: كان النبي / صلى الله عليه وسلم) إذا خطب امرأة لم يكن لأحد أن يخطبها حتى يدعها، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض، لأنه إما أن يطلق، وأما أن يمسك. فإذا أمسك ضاجع، أو ترك وقسم، أو لم يقسم. وإذا طلق وعزل، فإما أن يخلي المعزولة لا يتبعها، أو يتبعها. وروي أنه ارجأ منهن: سودة، وجويرية، وصفية، وميمونة، وأم حبيبة. فكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن أوى إليه: عائشة، وحفصة، وأم سملة، وزينب، أرجأ خمسا وأوى أربعا. وروي أنه كان يسوي بينهن مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة، فإنها وهبت نفسها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك. انتهى. ذلك التفويض إلى مشيئتك أدنى إلى قرة عيونهن وانتفاء حزنهن ووجود رضاهن، إذا علمت أن ذلك التفويض من عند الله، فحالة كل منهن كحالة الأخرى في ذلك.
وقرأ الجمهور: * (ءان) *: مبنيا للفاعل من قرت العين؛ وابن محيصن: يقر من أقرأ عينهن بالنصب، وفاعل تقر ضميرالخطاب، أي أنت. وقرئ: تقر مبنيا للمفعول، وأعينهن بالرفع. وقرأ الجمهور: * (بما ءاتيتهن كلهن) * بالرفع، تأكيدا النون * (* يرضين) *؛ وأبو إياس حوبة بن عائد: بالنصب تأكيدا لضمير النصب في * (بما ءاتيتهن) *. * (والله يعلم ما فى قلوبكم) *: عام. قال ابن عطية: والإشارة به ههنا إلى ما في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم) من محبة شخص دون شخص، ويدخل في المعنى المؤمنون. وقال الزمخشري، وعبيدة: من لم يرض منهن بما يريد الله من ذلك، وفوض إلى مشيئة رسوله، وبعث على تواطؤ قلوبهن، والتصافي بينهن، والتوافق على طلب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وما فيه طيب نفسه. انتهى. * (وكان الله عليما) * بما انطوت عليه القلوب، * (حليما) *: يصفح عما يغلب على القلب من المسؤول، إذ هي مما لا يملك غالبا. واتفقت الروايات على أنه عليه الصلاة والسلام، كان يعدل بينهن في القسمة حتى مات، ولم يستعمل شيئا مما أبيح له، ضبطا لنفسه وأخذا بالفضل، غير ما جرى لسودة مما ذكرناه.
* (لا يحل لك النساء من بعد) *: الظاهر أنها محكمة، وهو قول أبي بن كعب وجماعة، منهم الحسن وابن سيرين، واختاره الطبري. ومن بعد المحذوف منه مختلف فيه، فقال أبي، وعكرمة، والضحاك: ومن بعد اللواتي أحللنا لك في قوله: * (إنا أحللنا لك أزواجك) *. فعلى هذا المعنى، لا تحل لك النساء من بعد النساء اللاتي نص عليهن أنهن يحللن لك من الأصناف الأربعة: لا أعرابية، ولا عربية، ولا كتابية، ولا أمة بنكاح. وقال ابن عباس، وقتادة: من بعد، لأن التسع نصاب رسول الله من الأزواج، كما أن الأربع نصاب أمته منهن. قال: لما خيرن فاخترن الله ورسوله، جازاهن الله أن حظر عليه النساء غيرهن وتبديلهن، ونسخ بذلك ما أباحه له قبل من التوسعة في جميع النساء. وقال مجاهد، وابن جبير: وروي عن عكرمة: من بعد، أي من بعد إباحة النساء على العموم، ولا تحل لك النساء غير المسلمات من يهودية ولا نصرانية. وكذلك: * (ولا أن تبدل بهن من أزواج) *: أي بالمسلمات من أزواج يهوديات ونصرانيات. وقيل: في قوله * (ولا أن تبدل) *، هو من البدل الذي كان في الجاهلية. كان يقول الرجل: بادلني بامرأتك وأبادلك بامرأتي، فينزل كل واحد منهما عن امرأته للآخر. قال معناه ابن زيد، وأنه كان في الجاهلية، وأنكر هذا القول الطبري وغيره في معنى الآية، وما فعلت العرب قط هذا. وما روي من حديث عيينة بن حصن أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، حين دخل عليه بغير استئذان، وعنده عائشة. من هذه الحميراء؟ فقال: (عائشة)، فقال عيينة: يا رسول الله، إن شئت نزلت لك عن سيدة نساء العرب جمالا: ونسبا، فليس بتبديل، ولا أراد
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»