تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٢
ويوما شهدناه سليما وعامرا أي: شهدنا فيه. وأما على تقدير على، فالمعنى: تعتدون عليهن فيها. وقرأ الحسن: بإسكان العين كغيره، وتشديد الدال جمعا بين الساكنين. وقوله: * (فما لكم) * يدل على أن العدة حق الزوج فيها غالب، وإن كانت لا تسقط بإسقاطه، لما فيه من حق الله تعالى. والظاهر أن من طلقت قبل المسيس لها المتعة مطلقا، سواء كانت ممدودة أم مفروضا لها. وقيل: يختص هذا الحكم بمن لا مسمى لها. والظاهر أن الأمر في * (فمتعوهن) * للوجوب، وقيل: للندب، وتقدم الكلام مشبعا في المتعة في البقرة. والسراج الجميل: هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب. وقيل: أن لا يطالبها بما آتاها. ولما بين تعالى بعض أحكام أنكحة المؤمنين، أتبعه بذكر طرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم). والأجور: المهور، لأنه أجر على الاستمتاع بالبضع وغيره مما يجوز به الاستمتاع. وفي وصفهن ب * (ياأيها النبى إنا) *، تنبيه على أن الله اختار لنبيه الأفضل والأولى، لأن إيتاء المهر أولى وأفضل من تأخيره، ليتفصى الزوج عن عهدة الدين وشغل ذمته به، ولأن تأخيره يقتضي أنه يستمتع بها مجانا دون عوض تسلمته، والتعجيل كان سنة السلف، لا يعرف منهم غيره. ألا ترى إلى قوله، عليه السلام، لبعض الصحابة حين شكا حالة التزوج: (فأين درعك الحطمية)؟ وكذلك تخصيص ما ملكت يمينه بقوله: * (مما أفاء الله عليك) *، لأنها إذا كانت مسبية، فملكها مما غنمه الله من أهل دار الحرب كانت أحل وأطيب مما تشترى من الجلب. فما سبي من دار الحرب قيل فيه سبي طيبة، وممن له عهد قيل فيه سبي خبيثة، وفيء الله لا يطلق إلا على الطيب دون الخبيث.
* والظاهر أن قوله: * (إنا أحللنا لك أزواجك) *، مخصوص لفظة أزواجك بمن كانت في عصمته، كعائشة وحفصة، ومن تزوجها بمهر. وقال ابن زيد: أي من تزوجها بمهر، ومن تزوجها بلا مهر، وجميع النساء حتى ذوات المحارم من ممهورة ورقيقة وواهبة نفسها مخصوصة به. ثم قال بعد * (ترجى من تشاء منهن) *: أي من هذه الأصناف كلها، ثم الضمير بعد ذلك يعم إلى قوله: * (ولا أن تبدل بهن من أزواج) *، فينقطع من الأول ويعود على أزواجه التسع فقط، وفي التأيل الأول تضييق. وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يتزوج أي النساء شاء، وكان ذلك يشق على نسائه. فلما نزلت هذه الآية، وحرم عليه بها النساء، إلا من سمي سر نساؤه بذلك، وملك اليمين إنما يعلقه في النادر، وبنات العم، ومن ذكر معهن يسير. ومن يمكن أن يتزوج منهن محصور عند نسائه، ولا سيما وقد قرن بشرط الهجرة، والواجب أيضا من النساء قليل، فلذلك سر بانحصار الأمر. ثم مجيء * (ترجى من تشاء منهن) *، إشارة إلى ما تقدم، ثم مجيء * (ولا أن تبدل بهن من أزواج) *، إشارة إلى أن أزواجه اللواتي تقدم النص عليهن بالتحليل، فيأتي الكلام مثبتا مطردا أكثر من اطراده على التأيل الآخر.
* (وبنات عمك) *، قالت أم هانىء، بنت أبي طالب: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فاعتذرت إليه فعذرني، ثم نزلت هذه الآية فحرمتني عليه، لأني لم أهاجر معه، وإنما كنت من الطلقاء. والتخصيص ب * (اللاتى هاجرن معك) *، لأن من هاجر معه من قرابته غير المحارم أفضل من غير المهاجرات. وقيل: شرط الهجرة في التحليل منسوخ. وحكى الماوردي في ذلك قولين: أحدهما: أن الهجرة شرط في إحلال الأزواج على الإطلاق. والثاني: أنه شرط في إحلال قرابات المذكورات في الآية دون الأجنبيات، والمعية هنا: الاشتراك في الهجرة لا في الصحبة فيها، فيقال: دخل فلان معي وخرج معي، أي كان عمله كعملي وإن لم يقترنا في الزمان. ولو قلت: فرجعنا
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»