تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ٢٣٣
معا، اقتضى المعنيان الاشتراك في الفعل، والاقتران في الزمان. وأفرد العم والخال لأنه اسم جنس، والعمة والخالة كذلك، وهذا حرف لغوي قاله أبو بكر بن العربي القاضي.
* (وامرأة مؤمنة) *، قال ابن عباس، وقتادة: هي ميمونة بنت الحارث. وقال علي بن الحسين، والضحاك، ومقاتل: هي أم شريك. وقال عروة، والشعبي: هي زينب بنت خزيمة، أم المساكين، امرأة من الأنصار. وقال عروة أيضا: هي خولة بنت حكيم بن الأوقص السلمية. واختلف في ذلك. فعن ابن عباس: لم يكن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) أحد منهن بالهبة. وقيل: الموهبات أربع: ميمونة بنت الحارث، ومن ذكر معها قبل. وقرأ الجمهور: * (وامرأت) *، بالنصب؛ * (إن وهبت) *، بكسر الهمزة: أي أحللنا لك. * (إن وهبت) *، * (إن أراد) *، فهنا شرطان، والثاني في معنى الحال، شرط في الإحلال هبتها نفسها، وفي الهبة إرادة استنكاح النبي، كأنه قال: أحللناها لك إن وهبت لك نفسها، وأنت تريد أن تستنكحها، لأن إرادته هي قبوله الهبة وما به تتم، وهذان الشرطان نظير الشرطين في قوله: * (ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم) *. وإذا اجتمع شرطان، فالثاني شرط في الأول، متأخر في اللفظ، متقدم في الوقوع، ما لم تدل قرينة على الترتيب، نحو: إن تزوجتك أو طلقتك فعبدي حر. واجتماع الشرطين مسألة فيها خلاف وتفصيل، وقد استوفينا ذلك في (شرح التسهيل)، في باب الجوازم. وقرأ أبو حيوة: وامرأة مؤمنة، بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف: أي أحللناها لك. وقرأ أبي، والحسن، والشعبي، وعيسى، وسلام: أن بفتح الهمزة، وتقديره: لأن وهبت، وذلك حكم في امرأة بعينها، فهو فعل ماض، وقراءة الكسر استقبال في كل امرأة كانت تهب نفسهما دون واحدة بعينها. وقرأ زيد بن علي: إذ وهبت، إذ ظرف لما مضى، فهو في امرأة بعينها.
وعدل عن الخطاب إلى الغيبة في النبي، * (إن أراد النبى) *، ثم رجع إلى الخطاب في قوله: * (خالصة لك) *، للإيذان بأنه مما خص به وأوثر. ومجيئه على لفظ النبي، لدلالة على أن الاختصاص تكرمة له لأجل النبوة، وتكريره تفخيم له وتقرير لاستحقاقه الكرامة لنبوته. واستنكاحها: طلب نكاحها والرغبة فيه. والجمهور: على أن التزويج لا يجوز بلفظ الإجارة ولا بلفظ الهبة. وقال أبو الحسن الكرخي: يجوز بلفظ الإجارة لقوله: * (ياأيها النبى إنا) *، وحجة من منع: أن عقد الإجارة مؤقت، وعقد النكاح مؤبد، فتنافيا. وذهب أبو حنيفة وصاحباه إلى جواز عقد النكاح بلفظ الهبة إذا وهبت، فأشهد على نفسه بمهر، لأن رسول الله وأمته سواء في الأحكام، إلا فيما خصه الدليل. وحجة الجمهور: أنه، عليه السلام، خص بمعنى الهبة ولفظها جميعا، لأن اللفظ تابع للمعنى، والمدعى للاشتراك في اللفظ يحتاج إلى دليل. وقرأ الجمهور: * (خالصة) *، بالنصب، وهو مصدر مؤكد، * (عبد الله) *، و * (صبغة الله) *، أي أخلص لك إخلاصا. * (أحللنا لك) *، * (خالصة) * بمعنى خلوصا، ويجىء المصدر على فاعل وعلى فاعلة. وقال الزمخشري: والفاعل والفاعلة في المصادر على غير عزيزين، كالخارج والقاعد والعاقبة والكاذبة. انتهى، وليس كما ذكر، بل هما عزيزان، وتمثيله كالخارج يشير إلى قول الفرزدق:
ولا خارج من في زور كلام والقاعد إلى أحد التأويلين في قوله
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»