تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٩٥
الاستهزاء. وكذلك من قرأ: إنا على الخبر، أكدوا ذلك الاستهزاء باستهزاء آخر. وقرأ الجمهور: بفتح اللام، والمضارع يضل بكسر عين الكلمة، وهي اللغة الشهيرة الفصحية، وهي لغة نجد. قال مجاهد: هلكنا، وكل شيء غلب عليه غيره حتى تلف وخفي فقد هلك، وأصله من: ضل الماء في اللبن، إذا ذهب. وقال قطرب: ضللنا: غبنا في الأرض، وأنشد قول النابغة الذبياني:
* فآب مضلوه بعين جلية * وغودر بالجولان حزم ونائل * وقرأ يحيى بن يعمر، وابن محيصن، وأبو رجاء، وطلحة، وابن وثاب: بكسر اللام، والمضارع بفتحها، وهي لغة أبي العالية. وقرأ أبو حيوة: ضللنا، بالضاد المنقوطة وضمها وكسر اللام مشددة، ورويت عن علي. وقرأ علي، وابن عباس، والحسن، والأعمش، وأبان ين سعيد بن العاص: صللنا، بالصاد المهملة وفتح اللام، ومعناه: أنتنا. وعن الحسن: صللنا، بكسر اللام، يقال: صل يصل، بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع؛ وصل يصل: بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع؛ وأصل يصل، بالهمزة على وزن أفعل. قال الشاعر:
* تلجلج مضغة فيها أبيض * أصلت فهي تحت الكشح داء * وقال الفراء: معناه صرنا بين الصلة، وهي الأرض اليابسة الصلبة. وقال النحاس: لا نعرف في اللغة صللنا، ولكن يقال: أصل اللحم وصل، وأخم وخم إذ أنتن، وحكاه غيره. * (بل هم بلقاء ربهم كافرون) *: جاحدون بلقاء الله والصيرورة إلى جزائه. ثم أمره تعالى أن يخبرهم بجملة الحال غبر مفصلة، من قبض أرواحهم، ثم عودهم إلى جزاء ربهم بالبعث. و * (مالك * الموت) *: اسمه عزرائيل، ومعناه عبد الله. وقرأ الجمهور: * (ترجعون) *، مبنيا للمفعول؛ وزيد بن علي: مبنيا للفاعل.
* (ولو ترى) *: الظاهر أنه خطاب للرسول، وقيل: له ولأمته، أي: يا محمد منكري البعث يوم القيامة لرأيت العجب. وقال أبو العباس: المعنى يا محمد قل للمجرم. * (ولو ترى) *: رأى أن الجملة معطوفة على * (يتوفاكم) *، داخلة تحت * (قل) *، فلذلك لم يجعله خطابا للرسول. والظاهر أن لو هنا لم تشرب معنى التمني، بل هي التي لما كان سيقع لوقوع غيره، والجواب محذوف، أي لرأيت أسوأ حال يرى. ولو تعليق في الماضي، وإذ ظرف للماضي، فلتحقق الأخبار ووقوعه قطعا أتى بهما تنزيلا منزلة الماضي. وقال الزمخشري: يجوز أن يكون خطابا لرسول الله، وفيه وجهان: أحدهما: أن يراد به التمني، كأن قيل: وليتك ترى، والتمني له، كما كان الترجي له في: * (لعلهم يهتدون) *، لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل الله له، تمنى أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون لو امتناعية، وقد جوابها، وهو: لرأيت أمرا فظيعا. ويجوز أن يخاطب به كل أحد، كما تقول: فلان لئيم إن أكرمته أهانك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، فلا يريد به مخاطبا بعينه، وكأنك قلت: إن أكرم وإن أحسن إليه. انتهى. والتمني بلو في هذا الموضع بعيد، وتسمية لو امتناعية ليس بجيد، بل العبارة الصحيحة لو لما كان سيقع لوقوع غيره، وهي عبارة سيبويه، وقوله قد حذف جوابها وتقديره: وليتك ترى ما يدل على أنها كانت إذا للتمني لا جواب لها، والصحيح أنها إذا أشربت معنى التمني، يكون لها جواب كحالها إذا لم تشربه. قال الشاعر:
* فلو نبش المقابر عن كليب * فيخبر بالذنائب أي زير *
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»