مبتدأ، * (ولا * ريب) * خبره. ويجوز أن يكون * (تنزيل) * خبر مبتدأ، أي هذا المتلو تنزيل، أو هذه الحروف تنزيل، و * (ألم) * بدل على الحروف. وقال أبو البقاء: * (ألم) * مبتدأ، و * (تنزيل) * خبره بمعنى المنزل، و * (لا ريب فيه) * حال من الكتاب، والعامل فيه تنزيل، و * (من رب العالمين) * متعلق بتنزيل أيضا. ويجوز أن يكون حالا من الضمير في فيه، والعامل فيه الظرف. ويجوز أن يكون * (تنزيل) * مبتدأ، و * (لا ريب فيه) * الخبر، و * (من رب العالمين) * حال كما تقدم. ولا يجوز على هذا أن يتعلق بتنزيل، لأن المصدر قد أخبر عنه. ويجوز أن يكون الخبر * (من رب العالمين) *، و * (لا ريب) * حال من الكتاب، وأن يكون خبرا بعد خبر. انتهى. والذي أختاره أن يكون * (تنزيل) * مبتدأ، و * (لا ريب) * اعتراض، و * (من رب العالمين) * الخبر. وقال ابن عطية: * (من رب العالمين) * متعلق بتنزيل، ففي الكلام تقديم وتأخير؛ ويجوز أن يتعلق بقوله: * (لا ريب) *، أي لا شك، من جهة الله تعالى، وإن وقع شك الكفرة، فذلك لا يراعى. والريب: الشك، وكذا هو في كل القرآن، إلا قوله: * (ريب المنون) *. انتهى.
وإذا كان * (تنزيل) * خبر مبتدأ محذوف، وكانت الجملة اعتراضية بين ما افتقر إلى غيره وبينه، لم نقل فيه: إن فيه تقديما وتأخيرا، بل لو تأخر لم يكن اعتراضا. وأما كونه متعلقا بلا ريب، فليس بالجيد، لأن نفي الريب عنه مطلقا هو المقصود، لأن المعنى: لا مدخل للريب فيه، إن تنزيل الله، لأن موجب نفي الريب عنه موجود فيه، وهو الإعجاز، فهو أبعد شيء من الريب. وقولهم: * (افتراه) *، كلام جاهل لم يمعن النظر، أو جاحد مستيقن أنه من عند الله، فقال ذلك حسدا، أو حكما من الله عليه بالضلال. وقال الزمخشري: والضمير في فيه راجع إلى مضمون الجملة، كأنه قيل: لا ريب في ذلك، أي في كونه منزلا من رب العالمين. ويشهد لوجاهته قوله: * (أم يقولون افتراه) *، لأن قولهم هذا مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين. وكذلك قوله: * (بل هو الحق من ربك) *، وما فيه من تقدير أنه من الله، وهذا أسلوب صحيح محكم، أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين، وأن ذلك ما لا ريب فيه. ثم أضرب عن ذلك إلى قوله: * (أم يقولون افتراه) *، لأن أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات، ثم أضرب عن الإنكار إلى الإثبات أنه الحق من ربك. انتهى، وهو كلام فيه تكثير. وقال أبو عبيدة: أم يكون معناه: بل يقولون، فهو خروج من حديث إلى حديث؛ ومن ربك في موضع الحال، أي كائنا من عند ربك، وبه متعلق بلتنذر، أو بمحذوف تقديره: أنزله لتنذر. والقوم هنا قريش والعرب، وما نافية، ومن نذير: من زائدة، ونذير فاعل أتاهم.
أخبر تعالى أنه لم يبعث إليهم رسولا بخصوصيتهم قبل محمد صلى الله عليه وسلم)، لا لهم ولا لآبائهم، لكنهم كانوا متعبدين بملة إبراهيم وإسماعيل، وما زالوا على ذلك إلى أن غير ذلك بعض رؤسائهم، وعبدوا الأصنام وعم ذلك، فهم مندرجون تحت قوله: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) *، أي شريعته ودينه؛ والنذير ليس مخصوصا بمن باشر، بل يكون نذيرا لمن باشره، ولغير من باشره بالقرب ممن سبق لها نذير، ولم يباشرهم نذير غير محمد صلى الله عليه وسلم). وقال ابن عباس، ومقاتل: المعنى لم يأتهم في الفترة بين عيس ومحمد، عليهما السلام.
وقال الزمخشري: * (ما أتاهم من نذير من قبلك) *، كقوله: * (ما أنذر ءاباؤهم) *، وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل محمد صلى الله عليه وسلم). فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير، لم تقم عليهم حجة. قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم، لأن أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان. انتهى. والذي ذهب إليه غير ما ذهب إليه المفسرون، وذلك أنهم فهموا من قوله: * (ما ءاتاهم) *، و * (ما أنذر ءاباؤهم) *، أن ما نافية، وعندي أن ما موصولة، والمعنى: لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم. * (من نذير) *: متعلق بأتاهم، أي أتاهم على لسان نذير من قبلك. وكذلك * (لتنذر قوما ما أنذر ءاباؤهم) *: أي العقاب الذي أنذره آباؤهم، فما مفعولة في الموضعين، وأنذر يتعدى إلى اثنين. قال تعالى: * (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة) *، وهذا القول جار على ظواهر القرآن. قال تعالى: * (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) *، و * (أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) *، * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *، * (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث فى أمها رسولا) *.
ولما حكى تعالى عنهم أنهم يقولون: إن محمدا صلى الله عليه وسلم) افتراه ورد عليهم، اقتصر في ذكر ما