تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٩٤
ثم تعرج الملائكة، بزيادة الملائكة، ولعله تفسير منه لسقوطه في سواد المصحف.
* (ذالك) *: أي ذلك الموصوف بالخلق والاستواء والتدبير، * (عالم الغيب) *: والغيب الآخرة، * (والشهادة) *: الدنيا، أو الغيب: ما غاب عن المخلوقين، والشهادة: ما شوهد من الأشياء، قولان. وقرأ زيد بن علي: * (عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) *: بخفض الأوصاف الثلاثة؛ وأبو زيد النحوي: بخفض * (العزيز الرحيم) *. وقرأ الجمهور: برفع الثلاثة على أنها أخبار لذلك، أو الأول خبر والاثنان وصفان، ووجه الخفض أن يكون ذلك إشارة إلى الأمر، وهو فاعل بيعرج، أي ثم يعرج إليه ذلك، أي الأمر المدبر، ويكون عالم وما بعده بدلا من الضمير في إليه. وفي قراءة ابن زيد يكون ذلك عالم مبتدأ وخبر، والعزيز الرحيم بالخفض بدل من الضمير في إليه. وقرأ الجمهور: خلقه، بفتح اللام، فعلا ماضيا صفة لكل أو لشيء. وقرأ العربيان، وابن كثير: بسكون اللام، والظاهر أنه بدل اشتمال، والمبدل منه كل، أي أحسن خلق كل شيء، فالضمير في خلقه عائد على كل. وقيل: الضمير في خلقه عائد على الله، فيكون انتصابه نصب المصدر المؤكد لمضمون الجملة، كقوله: * (صبغة الله) *، وهو قول سيبويه، أي خلقه خلقا. ورجح على بدل الاشتمال بأن فيه إضافة المصدر إلى الفاعل، وهو أكثر من إضافته إلى المفعول، وبأنه أبلغ في الامتنان، لأنه إذا قال: * (أحسن كل شىء) *، كأن أبلغ من: أحسن خلق كل شيء، لأنه قد يحسن الخلق، وهو المجاز له، ولا يكون الشيء في نفسه حسنا. فإذا قال: * (أحسن كل شىء) *، اقتضى أن كل شيء خلقه حسن، بمعنى: أنه وضع كل شيء في موضعه. انتهى.
وقيل: في هذا الوجه، وهو عود الضمير في خلقه على الله، يكون بدلا من كل شيء، بدل شيء من شيء، وهما لعين واحدة. ومعنى * (أحسن) *: حسن، لأنه ما من شيء خلقه إلا وهو مرتب على ما تقضيه الحكمة. فالمخلوقات كلها حسنة، وإن تفاوتت في الحسن، وحسنها من جهة المقصد الذي أريد بها. ولهذا قال ابن عباس: ليست القردة بحسنة، ولكنها متقنة محكمة. وعلى قراءة من سكن لام خلقه، قال مجاهد: أعطى كل جنس شكله، والمعنى: خلق كل شيء على شكله الذي خصه به. وقال الفراء: ألهم كل شيء خلقه فيما يحتاجون إليه، كأنه أعلمهم ذلك، فيكون كقوله: * (أعطى كل شىء خلقه) *. وقرأ الجمهور: بدأ بالهمز؛ والزهري: بالألف بدلا من الهمزة، وليس بقياس أن يقول في هدأ: هدا، بإبدال الهمزة ألفا، بل قياس هذه الهمزة التسهيل بين بين؛ على أن الأخفش حكى في قرأت: قريت ونظائره. وقيل: وهي لغية؛ والأنصار تقول في بدأ: بدى، بكسر عين الكلمة وياء بعدها، وهي لغة لطي. يقولون في فعل هذا نحو بقي: بقاء، فاحتمل أن تكون قراءة الزهري على هذه اللغة أصله بدى، ثم صار بدأ، أو على لغة الأنصار. وقال ابن رواحة:
* باسم الإله وبه بدينا * ولو عبدنا غيره شقينا * * (وبدأ خلق الإنسان) *: هو آدم، عليه الصلاة والسلام. * (ثم جعل نسله) *: أي ذريته. نسل من الشيء: انفصل منه. * (ثم سواه) *: قومه وأضاف الروح إلى ذاته دلالة على أنه خلق عجيب، لا يعلم حقيقته إلا هو، وهي إضافة ملك إلى مالك وخلق إلى خالق تعالى. * (وجعل لكم) *: التفات، إذ هو خروج من مفرد غائب إلى جمع مخاطب، وتعديد للنعم، وهي شاملة لآدم؛ كما أن التسوية ونفخ الروح شامل له ولذريته. والظاهر أن * (وقالوا) *، الضمير لجمع، وقيل: القائل أبي بن خلف، وأسند إلى الجمع لرضاهم به، والناصب للظرف محذوف يدل عليه * (* أئنا) * وما بعدها تقديره انبعث. * (أءذا ضللنا) *، ومن قرأ إذا بغير استفهام، فجواب إذا محذوف، أي: إذا ضللنا في الأرض نبعث، ويكون إخبارا منهم على طريق
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»