تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٩٦
* بيوم الشعشمين لقر عينا * وكيف لقاء من تحت القبور * وقال الزمخشري: وقد تجيء لو في معنى التمني، كقولك: لو تأتيني فتحدثني، كما تقول: ليتك تأتيني فتحدثني. فقال ابن مالك: إن أراد به الحذف، أي وددت لو تأتيني فصحيح، وإن أراد أنها موضوعة للتمني فغير صحيح، لأنها لو كانت موضوعة له، ما جاز أن يجمع بينها وبين فعل التمني. لا يقال: تمنيت ليتك تفعل، ويجوز: تمنيت لو تقوم. وكذلك امتنع الجمع بين لعل والترجي، وبين إلا واستثنى. انتهى. * (ناكسوا رءوسهم) *: مطرقوها، من الذل والحزن والهم والغم. وقرأ زيد بن علي: نكسوا رؤوسهم، فعلا ماضيا ومفعولا؛ والجمهور: اسم فاعل مضاف. * (عند ربهم) *: أي عند مجازاته، وهو مكان شدة الخجل، لأن المربوب إذا أساء ووقف بين يدي ربه كان في غاية الخجل. * (ربنا) *: على إضمار يقولون، وقدره الزمخشري: يستغيثون بقولهم: * (ربنا أبصرنا) * ما كنا نكذب؛ * (وسمعنا) *: ما كنا ننكر؛ وأبصرنا صدق وعدك ووعيدك، وسمعنا تصديق رسلك، وكنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا، فارجعنا إلى الدنيا. * (إنا موقنون) *: أي بالبعث. قاله النقاش؛ وقيل: مصدقون بالذي قال الرسول، قاله يحيى بن سلام. وموقنون: مشعر بالالتباس في الحال، أي حين أبصروا وسمعوا. وقيل: موقنون: زالت الآن عنا الشكوك، ولم نكن في الدنيا نتدبر، وكنا كمن لا يبصر ولا يسمع. وقيل: لك الحجة، ربنا قد أبصرنا رسلك وعجائب في الدنيا، وسمعنا كلامهم فلا حجة لنا، وهذا اعتراف منهم.
* (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها ولاكن حق القول منى لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هاذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون * إنما يؤمن بئاياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون * تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون * فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون * أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون * أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم) *.
* (لاتينا كل نفس هداها) *: أي اخترعنا الإيمان فيها، كقوله: * (أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) *، و * (لجمعهم على الهدى) *، و * (لجعل الناس أمة واحدة) *. وقال الزمخشري: على طريق الإلجاء والقسر، ولكنا بنينا الأمر على الاختيار دون الاضطرار، فاستحبوا العمى على الهدى، فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون أهل البصر. ألا ترى إلي
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»