تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٥١
الله صلى الله عليه وسلم). وقال قتادة: الآية منسوخة بقوله: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون) * الآية. وقرأ الجمهور: إلا، حرف استثناء؛ وابن عباس: ألا، حرف تنبيه واستفتاح، وتقديره: ألا جادلوهم بالتي هي أحسن. * (وقولوا ءامنا) *: هذا من المجادلة بالأحسن. * (بالذى أنزل إلينا) *، وهو القرآن، * (وأنزل إليكم) *، وهو التوراة والزبور والإنجيل.
وفي صحيح البخاري، عن أبي هريرة: كان أهل الكتاب يقرؤن التوراة بالعبرانية، ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم). * (وكذالك) *: أي مثل ذلك الإنزال الذي للكتب السابقة، * (أنزلنا إليك الكتاب) *: أي القرآن. * (فالذين ءاتيناهم الكتاب) * هم: عبد الله بن سلام ومن آمن معه. * (ومن هؤلاء) *: أي من أهل مكة. وقيل: * (فالذين ءاتيناهم الكتاب) *: أي الذين تقدموا عهد الرسول، يؤمنون به: أي بالقرآن، إذ هو مذكور في كتبهم أنه ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم). * (ومن هؤلاء) *: أي ممن في عهده منهم. * (وما يجحد بئاياتنا) *، مع ظهورها وزوال الشبهة عنها، * (إلا الكافرون) *: أي من بني إسرائيل وغيرهم.
قال مجاهد: كان أهل الكتاب يقرأون في كتبهم أن محمدا عليه السلام، لا يحظ ولا يقرأ كتابا، فنزلت: * (وما كنت تتلو من قبله) *: أي من قبل نزوله عليك، * (من كتاب) *: أي كتابا، ومن زائدة لأنها في متعلق النفي، * (ولا تخطه) *: أي لا تقرأ ولا تكتب، * (بيمينك) *: وهي الجارحة التي يكتب بها، وذكرها زيادة تصوير لما نفي عنه من الكتابة، لما ذكر إنزال الكتاب عليه، متضمنا من البلاغة والفصاحة والإخبار عن الأمم السابقة والأمور المغيبة ما أعجز البشر أن يأتوا بسورة مثله. أخذ يحقق، كونه نازلا من عند الله، بأنه ظهر عن رجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ولا يخالط أهل العلم. وظهور هذا القرآن المنزل عليه أعظم دليل على صدقه، وأكثر المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) لم يكتب قط، ولم يقرأ بالنظر في كتاب.
وروي عن الشعبي أنه قال: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم)، حتى كتب وأسند النقاش. حديث أبي كبشة السلولي: أنه صلى الله عليه وسلم)، قرأ صحيفة لعيينة ابن حصن وأخبر بمعناها. وفي صحيح مسلم ما ظاهره: أنه كتب مباشرة، وقد ذهب إلى ذلك جماعة، منهم أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي، والقاضي أبو الوليد الباجي وغيرهما. واشتد نكير كثير من علماء بلادنا على أبي الوليد الباجي، حتى كان بعضهم يسبه ويطعن فيه على المنبر. وتأول أكثر العلماء ما ورد من أنه كتب على أن معناه: أمر بالكتابة، كما تقول: كتب السلطان لفلان بكذا، أي أمر بالكتب. * (إذا لارتاب المبطلون) *: أي لو كان يقرأ كتبا قبل نزول القرآن عليه، أو يكتب، لحصلت الريبة للمبطلين، إذا كانوا يقولون: حصل ذلك الذي يتلوه مما قرأه، قيل: وخطه واستحفظه؛ فكان يكون لهم في ارتيابهم تعلق ببعض شبهة، وأما ارتيابهم مع وضوح هذه الحجة فظاهر فساده. والمبطلون: أهل الكتاب، قاله قتادة؛ أو كفار قريش، قاله مجاهد. وسموا مبطلين، لأنهم كفروا به، وهو أمي بعيد من الريب. ولما لم يكن قارئا ولا كاتبا، كان ارتيابهم لا وجه له.
* (بل هو) *: أي القرآن: * (بينات فاسأل) *: واضحات الإعجاز، * (فى صدور الذين أوتوا العلم) *: أي مستقرة، مؤمن من بها، محفوظة في صدورهم، يتلوها أكثر الأمة ظاهرا، بخلاف غيره من الكتب، فليس بمعجز، ولا يقرأ إلا من الصحف. وجاء في صفة هذه الأمة صدورهم: أنا جيلهم، وكونه القرآن، يؤيده قراءة عبد الله، بل هي آيات. وقيل: بل هو، أي النبي وأمورة، آيات بينات، قاله قتادة. وقرأ: بل هو آية بينة على التوحيد؛ وقيل: بل هو، أي كونه لا يقرأ ولا يكتب. ويقال: جحدته وجحدت به، وكفرته وكفرت به، قيل: والجحود الأول معلق بالواحدنية، والثاني معلق بالنبوة، وختمت تلك
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»