تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٤٠
تزعمون، فنحن نحمل خطاياكم. وإذا كان المعنى على هذا، كان إخبارا في الجزاء بما لا يطابق، وكان كذبا.
* (وليحملن أثقالهم) *: أثقال أنفسهم من كفرهم ومعاصيهم، * (وأثقالا) * أي أخر، وهي أثقال الذين أغروهم، فكانوا سببا في كفرهم. ولم يبين من الذين يحملون أثقاله، فأمكن اندراج أثقال المظلوم بحملها للظالم، كما جاء في الحديث: (أنه يقتص من الظالم للمظلوم بأن يعطي من حسنات ظالمه، فإن لم يبق للظالم حسنة أخذ من سيآت المظلوم فطرح عليه). وفي صحيح مسلم ما معناه: أيما داع دعا إلى ضلالة، فأتبع عليها وعمل بها بعده، فعليه أو زار من عمل بها ممن اتبعه، لا ينقص ذلك من أوزاهم شيئا. * (وليحملن أثقالهم وأثقالا) *: أي سؤال توبيخ وتقريع.
* (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون * فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها ءاية للعالمين * وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا) *.
ذكر هذه القصة تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم)، لما كان يلقى من أذى الكفار. فذكر ما لقي أول الرسل، وهو نوح، من أذى قومه، المدد المتطاولة، تسلية لخاتم الرسل صلوات الله عليه. والواو في * (ولقد) * واو عطف، عطفت جملة على جملة. قال ابن عطية: والقسم فيها بعيد، يعني أن يكون المقسم به قد حذف وبقي حرفه وجوابه، وفيه حذف المجرور وإبقاء حرف الجار، وحرف الجر لا يعلق عن عمله، بل لا بد له من ذكره. والظاهر أنه أقام في قومه هذه المدة المذكورة يدعوهم إلى الله. وقال ابن عطية: يحتمل أن تكون المدة المذكورة مدة إقامته في قومه، من لدن مولده إلى غرق قومه. انتهى. وليس عندي محتملا، لأن اللبث متعقب بالفاء الدالة على التعقيب، واختلف في مقدار عمره، حين كان بعث وحين مات، اختلافا مضطربا متكاذبا، تركنا حكايته في كتابنا، وهو في كتب التفسير. والاستثناء من الألف استدل به على جواز الاستثناء من العدد، وفي كونه ثابتا من لسان العرب خلاف مذكور في النحو، وقد عمل الفقهاء المسائل على جواز ذلك، وغاير بين تمييز المستثنى منه وتمييز المستثنى، لأن التكرار في الكلام الواحد مجتنب في البلاغة، إلا إذا كان لغرض من تفخيم، أو تهويل، أو تنويه. ولأن التعبير عن المدة المذكورة بما عبر به، لأن ذكر رأس العدد الذي لا رأس أكبر منه أوقع وأوصل إلى الغرض من استطالة السامع مدة صبره، ولإزالة التوهم الذي يجيء مع قوله: تسعمائة وخمسون عاما، بأن ذلك على سبيل المبالغة لا التمام، والاستثناء يرفع
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»