هذا مثلهم، وأن أمر دينهم بالغ من الوهن هذه الغاية لأقلعوا عنه، وما اتخذوا الأصنام آلهة.
وقال الزمخشري: إذا صح تشبيه ما اعتمدوه في دينهم ببيت العنكبوت، وقد صح أن أوهن البيوت بيت العنكبوت، فقد تبين أن دينهم أوهن الأديان، لو كانوا يعلمون؛ أو أخرج الكلام بعد تصحيح التشبيه مخرج المجاز، وكأنه قال: وإن أوهن ما يعتمد عليه في الدين عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون. ولقائل أن يقول: مثل المشرك الذي يعبد الوثن، بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله، مثل عنكبوت يتخذ بيتا، بالإضافة إلى رجل بنى بيتا بآجر وجص أو نحته من صخر. فكما أن أوهن البيوت، إذا استقريتها بيتا، بيت العنكبوت، كذلك أضعف الأديان، إذا استقريتها دينا دينا، عبادة الأوثان، لو كانوا يعلمون. انتهى.
وما ذكره من قوله: ولقائل أن يقول إلخ. لا يدل عليه لفظ الآية، وإنما هو تحميل للفظ ما لا يحتمله، كعادته في كثير من تفسيره. وقرأ أبو عمرو، وسلام: يعلم ما، بالإدغام؛ والجمهور: بالفك؛ والجمهور: تدعون، بتاء الخطاب؛ وأبو عمرو، وعاصم: بخلاف، بياء الغيبة؛ وجوزوا في ما أن يكون مفعولا بيدعون، أي يعلم الذين يدعون من دونه من جميع الأشياء، أي يعلم حالهم، وأنهم لا قدرة لهم. وأن تكون نافية، أي لستم تدعون من دونه شيئا له بال ولا قدر، فيصلح أن يسمى شيئا، وأن يكون استفهاما، كأنه قدر على جهة التوبيخ على هذا المعبود من جميع الأشياء، وهي في هذين الوجهين مقتطعة من يعلم، واعتراض بين يعلم وبين قوله: * (وهو العزيز الحكيم) *. وجوز أبو علي أن يكون ما استفهاما منصوبا بيدعون، ويعلم معلقة؛ فالجملة في موضع نصب بها، والمعنى: أن الله يعلم أوثانا تدعون من دونه، أم غيرها لا يخفى عليه ذلك. والجملة تأكيد للمثل، وإذا كانت ما نافية، كان في الجملة زيادة على المثل، حيث لم يجعل تعالى ما يدعونه شيئا. * (وهو العزيز الحكيم) *: فيه تجهيل لهم، حيث عبدوا ما ليس بشيء، لأنه جماد ليس معه مصحح العلم والقدرة أصلا، وتركوا عبادة القادر القاهر الحكيم الذي لا يفعل شيئا إلا لحكمة. * (وما يعقلها إلا العالمون) *: أي لا يعقل صحتها وحسنها وفائدتها.
وكان جهلة قريش يقولون: إن رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت، ويضحكون من ذلك، وما علموا أن الأمثال والتشبيهات طرق إلى المعاني المحتجبة، فتبرزها وتصورها للفهم، كما صور هذا التشبيه الفرق بين حال المشرك وحال الموحد. والإشارة بقوله: * (وتلك الامثال) * إلى هذا المثل، وما تقدم من الأمثال في السور. وعن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم)، تلا هذه الآية فقال: (العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه).
* (خلق * السماوات والارض) *: فيه تنبيه على صغر قدر الأوثان التي عبدوها. ومعنى * (بالحق) *: بالواجب الثابت، لا بالعبث واللعب، إذ جعلها مساكن عباده، وعبرة ودلائل على عظيم قدرته وباهر حكمته. والظاهر أن الصلاة هي المعهود، والمعنى: من شأنها أنها إذا أديت على ما يجب من فروضها وسننها والخشوع فيها، والتدبر لما يتلو فيها، وتقدير المثول بين يدي الله تعالى، أن * (تنهى عن الفحشاء والمنكر) *. وقال ابن عباس، والكلبي، وابن جريج، وحماد بن أبي سليمان: تنهى ما دام المصلي فيها. وقال ابن عمر: الصلاة هنا القرآن. وقال ابن بحر: الصلاة: الدعاء، أي أقم الدعاء إلى أمر الله، وأما من تراه من المصلين يتعاطى المعاصي، فإن صلاته تلك ليست بالوصف الذي تقدم.
وفي الحديث أن فتى من الأنصار كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم)، ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ارتكبه، فقيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم)، فقال: (إن صلاتها تنهاه). فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (ألم أقل لكم؟) ولا يدل اللفظ على أن كل صلاة تنهى، بل المعنى، أنه يوجد ذلك فيها، ولا يكون على العموم. كما تقول: فلان يأمر بالمعروف، أي من شأنه ذلك، ولا