دل عليه ما وصفهم به، وشرح من أمرهم معناه على ما وصفوا به من الشرك والعناد. * (فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) *: كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين، حيث لا يذكرون إلا الله، ولا يدعون مع الله آخر. وفي المخلصين ضرب من التهكم، و * (إذا هم يشركون) *: جواب لما، أي فاجأ السحية إشراكهم بالله، أي لم يتأخر عنها ولا وقتا. والظاهر في * (ليكفروا) * أنها لام كي، وعطف عليه * (وليتمتعوا) * في قراءة من كسر اللام وهم: العربيان ونافع وعاصم، والمعنى: عادوا إلى شركهم. * (ليكفروا) *: أي الحامل لهم على الشرك هو كفرهم بما أعطاهم الله تعالى، وتلذذهم بما متعوا به من عرض الدنيا ، بخلاف المؤمنين، فإنهم إذا نجوا من مثل تلك الشدة، كان ذلك جالب شكر الله تعالى، وطاعة له مزدادة. وقيل: اللام في: * (ليكفروا) *، * (وليتمتعوا) *، لام الأمر، ويؤيده قراءة من سكن لام وليتمتعوا وهم: ابن كثير، والأعمش، وحمزة، والكسائي؛ وهذا الأمر على سبيل التهديد، كقوله: * (اعملوا ما شئتم) *.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف جاز أن يأمر الله تعالى بالكفر، وبأن يعمل العصاة ما شاوؤا، وهوناه عن ذلك ومتوعد عليه؟ قلت: هو مجاز عن الخذلان والتحلية، وإن ذلك الأمر مسخط إلى غاية. انتهى. والتحلية والخذلان من ألفاظ المعتزلة. وقرأ ابن مسعود: فتمتعوا فسوف تعلمون، بالتاء فيهما: أي قيل لهم تمتعوا فسوف تعلمون، وكذا في مصحف أبي. وقرأ أبو العالية: فيتمتعوا، بالياء، مبنيا للمفعول. ومن قرأ: وليتمتعوا، بسكون اللام، وكان عنده اللام في: ليكفروا، لام كي، فالواو عاطفة كلاما على كلام، لا عاطفة فعلا على فعل. وحكى ابن عطية، عن ابن مسعود: لسوف تعلمون، باللام، ثم ذكرهم تعالى بنعمه، حيث أسكنهم بلدة أمنوا فيها، لا يغزوهم أحد ولا يستلب منهم، مع كونهم قليلي العدد، قارين في مكان لا زرع فيه، وهذه من أعظم النعمة التي كفروها، وهي نعمة لا يقدر عليها إلا الله تعالى. وقرأ الجمهور: * (يؤمنون) *، و * (يكفرون) *، بالياء فيهما. وقرأ السلمي، والحسن: بتاء الخطاب فيهما. وافتراؤهم الكذب: زعمهم أن لله شريكا، وتكذيبهم بالحق: كفرهم بالرسول والقرآن. وفي قوله: * (لما جاءه) *: إشعار بأنهم لم يتوقفوا في تكذيبه وقت مجيء الحق لهم، بخلاف العاقل، فإنه إذا بلغه خبر، نظر فيه وفكر حتى يبين له أصدق هو أم كذب. وأليس تقرير لمقامهم في جهنم كقوله:
ألستم خير من ركب المطايا و * (للكافرين) * من وضع الظاهر موضع المضمر: أي مثواهم. * (والذين جاهدوا فينا) *: أطلق المجاهدة، ولم يقيدها بمتعلق، ليتناول المجاهدة في النفس الأمارة بالسوء والشيطان وأعداء الدين، وما ورد من أقوال العلماء، فالمقصود بها المثال. قال ابن عباس: جاهدوا أهواءهم في طاعة الله وشكر آلائه والصبر على بلائه. * (لنهدينهم سبلنا) *: لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير، كقوله: * (والذين اهتدوا زادهم هدى وءاتاهم تقواهم) *. وقال السدي: جاهدوا فينا بالثبات على الإيمان، لنهدينهم سبلنا إلى الجنة. وقال أبو سليمان الداراني: جاهدوا فيما علموا، لنهدينهم إلى ما لم يعلموا. وقيل: جاهدوا في الغزو، لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة. وقال ابن عباس: المحسنين الموحدين. وقال غيره: المجاهدون. وقال عبد الله بن المبارك: من اعتاصت عليه مسألة، فليسأل أهل الثغور عنها، كقوله تعالى: * (لنهدينهم سبلنا) *. * (والذين) *: مبتدأ خبره القسم المحذوف، وجوابه: وهو لنهدينهم وبهذا، ونظيره رد على أبي العباس ثعلب في منعه أن تقع جملة القسم والمقسم عليه خبرا للمبتدأ، ونظيره: * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات) *.