تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٥٣
نزل من السماء ماء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون وما هاذه الحيواة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون فإذا ركبوا فى الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ليكفروا بما ءاتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون أولم يروا أنا جعلنا حرما ءامنا ويتخطف الناس من حولهم أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله يكفرون ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس فى جهنم مثوى للكافرين والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) *.
أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن قوله: * (فى عبادى) * الآية، نزلت فيمن كان مقيما بمكة؛ أمروا بالهجرة عنها إلى المدينة، أي جانبوا أهل الشرك، واطلبوا أهل الإيمان. وقال أبو العالية: سافر والطلب أوليائه. وقال ابن جبير، وعطاء، ومجاهد، ومالك بن أنس: الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية، ويلزم الهجرة عنها إلى بلد حق. وقال مطرف بن الشخير: * (إن أرضى واسعة) * عدة بسعة الرزق في جميع الأرض. وقيل: أرض الجنة واسعة أعطيكم. وقال مجاهد: سافروا لجهاد أعدائه. * (فإياى فاعبدون) *، من باب الاشتغال: أي فإياي اعبدوا فاعبدون. وقال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى الفاء في فاعبدون، وتقدم المفعول؟ قلت: الفاء جواب شرط محذوف، لأن المعنى: إن أرضي واسعة، فإن لم تخلصوا العبادة في أرض، فاخلصوها في غيرها. ثم حذف الشرط وعوض من حذفة تقديم المفعول، مع إفادة تقديمه معنى الاختصاص والإخلاص. انتهى. ويحتاج هذا الجواب إلى تأمل.
ولما أخبر تعالى بسعة أرضه، وكان ذلك إشارة إلى الهجرة، وأمر بعبادته، فكأن قد يتوهم متوهم أنه إذا خرج من أرضه التي نشأ فيها لأجل من حلها من أهل الكفر إلى دار الإسلام، لا يستقيم له فيها ما كان يستقيم له في أرضه، وربما أدى ذلك إلى هلاكه. أخبر أن كل نفس لها أجل تبلغه، وتموت في أي مكان حل، وأن رجوع الجمع إلى أجزائه يوم القيامة. وقرأ علي: * (ترجعون) *، مبنيا للفاعل؛ والجمهور: مبنيا للمفعول، بتاء الخطاب. وروى عن عاصم: بياء الغيبة. وقرأ أبو حيوة: * (ذائقة) *، بالتنوين؛ * (الموت) *: بالنصب. وقرأ: * (لنبوئنهم) *، من المباءة. وقرأ علي، وعبد الله، والربيع بن خيثم، وابن وثاب، وطلحة، وزيد بن علي، وحمزة، والكسائي: من الثواء؛ وبوأ يتعدى لاثنين. قال تعالى: * (وبشر المؤمنين) * مقاعد للقتال، وقد جاء متعدي بالام. قال تعالى: * (وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت) *، والمعنى: ليجعلن لهم مكان مباءة، أي مرجعا يأوون إليه. * (غرفا) *: أي علالي، وأما ثوى فمعناه: أقام، وهو فعل لازم، فدخلت عليه همزة التعدية فصار يتعدى إلى واحد، وقد قرىء مشددا عدى بالتضعيف، فانتصب غرفا، إما على إسقاط حرف الجر، أي في غرف، ثم اتسع فحذف، وإما على تضمين الفعل معنى التبوئة، فتعدى إلى اثنين، أو شبه الظرف المكاني المختص بالمبهم يوصل إليه الفعل. وروي عن ابن عامر: غرفا، بضم الراء. وقرأ ابن وثاب: فنعم، بالفاء؛ والجمهور: بغير فاء. * (الذين صبروا) *: أي على مفارقة أوطانهم والهجرة وجميع المشاق، من امتثال الأوامر واجتناب المناهي. * (وعلى ربهم يتوكلون) *: هذان جماع الخير كله، الصبر وتفويض الأمور إلى الله تعالى.
ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم)، من أسلم بمكة بالهجرة، خافوا الفقر فقالوا
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»