تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٧ - الصفحة ١٣٨
* عجبت من دهماء إذ تشكونا * ومن أبي دهماء إذ يوصينا * انتهى. مثله قول الحطيئة يوصي ابنته برة:
* وصيت من برة قلبا حرا * بالكلب خيرا والحماة شرا * وعلى هذا التقدير يكون الأصل بخير، وهو المفعول الثاني. والباء في بوالديه وفي بالحماة وبالكلب ظرفية بمعنى في، أي وصينا الإنسان في أمر والديه بخير. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المفعول الثاني في قوله: * (بوالديه) *، وينتصب * (حسنا) * بفعل مضمر تقديره: يحسن حسنا، وينتصب انتصاب المصدر. وفي التحرير: حسنا نصب عند البصريين على التكرير، أي وصيناه حسنا، وقيل: على القطع، تقديره: ووصينا بالحسن، كما تقول: وصيته خيرا، أي بالخير، ويعني بالقطع عن حرف الجر، فانتصب. وقال أهل الكوفة: ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا، فيقدر له فعل. انتهى. وفي هذا القول حذف أن وصلتها وإبقاء المعمول، وهو لا يجوز عند البصريين. وقال الزمخشري: وصيناه بايتاء والديه حسنا، أو نائلا والديه حسنا، أي فعلا ذا حسن، وما هو في ذاته حسن لفرط حسنه، كقوله: * (وقولوا للناس حسنا) *. انتهى. وهذا التقدير فيه إعمال المصدر محذوفا وإبقاء معموله، وهو لا يجوز عند البصريين. قال الزمخشري: ويجوز أن يجعل حسنا من باب قولك: زيدا، بإضمار اضرب إذا رأيته متهيأ للضرب، فتنصبه بإضمار أولهما، أو افعل بهما، لأن الوصية بهما دالة عليه، وما بعده مطابق له، فكأنه قال: قلنا أو لهما معروفا. وقرأ عيسى، والجحدري: حسنا، بفتحتين؛ والجمهور: بضم الحاء وإسكان السين، وهما كالبخل. وقال أبو الفضل الرازي: وانتصابه بفعل دون التوصية المقدمة، لأنها قد أخذت مفعوليها معا مطلقا ومجرورا، فالحسن هنا صفة أقيم مقام الموصوف بمعنى: أمر حسن. انتهى، أي أمرا حسنا، حذف أمرا وأقيم حسن مقامه. وقوله: مطلقا، عنى به الإنسان، وفيه تسامح، بل هو مفعول به؛ والمطلق إنما هو المصدر، لأنه مفعول لم يقيد من حيث التفسير بأداة جر، بخلاف سائر المفاعيل، فإنك تقول: مفعول به، ومفعول فيه، ومفعول معه، ومفعول له؛ وفي مصحف أبي: إحسانا.
* (وإن جاهداك) *: أي وقلنا: إن جاهداك * (ما ليس لك به علم) *: أي بإلهيته، فالمراد بنفي العلم نفي المعلوم، أي * (لتشرك) * به شيئا، لا يصح أن يكون إلها ولا يستقيم، * (فلا تطعهما) * فيما جاهداك عليه من الإشراك؛ * (إلي مرجعكم) *: شامل للموصي والموصي والمجاهد والمجاهد، * (فأنبئكم) *: فأجازيكم، * (بما كنتم تعملون) *: من بر، أو عقوق، أو طاعة، أو عصيان. وكرر تعالى ما رتب للمؤمنين من دخولهم * (فى الصالحين) *، ليحرك النفوس إلى نيل مراتبهم. ومعنى * (فى الصالحين) *: في جملتهم، ومرتبة الصلاح شريفة، أخبر الله بها عن إبراهيم، وسألها سليمان، عليهما السلام، وأخبر تعالى أن يجعل من أطاع الله ورسوله معهم. ويجوز أن يكون التقدير: في ثواب الصالحين، وهي الجنة. ولما ذكر تعالى ما أعده للمؤمنين الخلص، ذكر حال المنافقين ناسا آمنوا بألسنتهم، فإذا آذاهم الكفار، جعلوا ذلك الأذى، وهو فتنة الناس، صارفا لهم عن الإيمان؛ كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر؛ وكونها نزلت في منافقين، قول ابن زيد. وقال الزجاج: جزع كما يجزع من عذاب الله، وهذا معنى قول مجاهد والضحاك. وقال قتادة: فيمن هاجر، فردهم المشركون إلى مكة. وقيل: في مؤمنين أخرجهم إلى بدر
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»