يجازيه، ولكن طمع في عفو الله. وأما قوله: اشتمال صلة أن، إلى آخره، فقد كان ينبغي أن يقدر ذلك في قوله: * (أن يتركوا) *، فيجعل ذلك سد مسد المفعولين، ولم يقدر ما لا يصح تقديره، وأما قوله: ويجوز أن تضمن حسب معنى قدر، فتعين إن أن وما بعدها في موضع مفعول واحد، والتضمين ليس بقياس، ولا يصار إليه إلا عند الحاجة إليه، وهذا الإجابة إليه.
* (ساء ما يحكمون) *، قال الزمخشري، وابن عطية ما معناه: أن * (ما) * موصولة و * (يحكمون) * صلتها، أو تمييز بمعنى شيء، ويحكمون صفة، والمخصوص بالذم محذوف، فالتقدير: أي حكمهم. انتهى. وفي كون ما موصولة مرفوعة بساء، أو منصوبة على التمييز خلاف مذكور في النحو. وقال ابن كيسان: ما مصدرية، فتقديره: بئس حكمهم. وعلى هذا القول يكون التمييز محذوفا، أي ساء حكما حكمهم. وساء هنا بمعنى: بئس، وتقدم حكم بئس إذا اتصل بهاما، والفعل في قوله: * (بئسما اشتروا به أنفسهم) * مشبعا في البقرة. وجاء بالمضارع، وهو * (يحكمون) *، قيل: إشعارا بأن حكمهم مذموم حالا واستقبالا، وقيل: لأجل الفاصلة وقع المضارع موقع الماضي اتساعا. والظاهر أن * (يرجو) * على بابها، ومعنى * (لقاء الله) *: الوصول إلى عاقبة الأمر من الموت والبعث والجزاء؛ مثلت حاله بحالة عبد قدم على مولاه من سفر بعيد، وقد اطلع مولاه على ما عمل في غيبته عنه، فإن كان عمل خيرا، تلقاه بإحسان أو شرا، فبضد الإحسان.
* (فإن أجل الله لآت) *: وهو ما أجله وجعل له أجلا، لا نفسه لا محالة، فليبادر لما يصدق رجاءه. وقال أبو عبيدة: يرجو: يخاف، ويظهر أن جواب الشرط محذوف، أي * (من كان يرجو لقاء الله) *، فليبادر بالعمل الصالح الذي يحقق رجاءه، فإن ما أجله الله تعالى من لقاء جزائه لآت. والظاهر أن قوله: * (ومن جاهد) *، معناه: ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات، فثمرة جهاده، وهو الثواب المعد له، إنما هو له، لا لله، والله تعالى غني عنه وعن العالمين، وإنما كلفهم ما كلفهم إحسانا إليهم. * (لنكفرن عنهم سيئاتهم) *: يشتمل من كان كافرا فآمن وعمل صالحا، فأسقط عنه عقاب ما كان قبل الإيمان من كفر ومعصية، ومن نشأ مؤمنا عاملا للصالحات وأساء في بعض أعماله، فكفر عنه ذلك، وكانت سيئاته مغمورة بحسناته. * (ولنجزينهم أحسن الذى) *: أي أحسن جزاء أعمالهم. وقال ابن عطية: فيه حذف مضاف تقديره: ثواب أحسن الذي كانوا يعملون. انتهى. وهذا التقدير لا يسوغ، لأنه يقتضي أن أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم، وأما ثواب حسنها فمسكوت عنه، وهم يجزون ثواب الأحسن والحسن، إلا إن أخرجت أحسن عن بابها من التفضيل، فيكون بمعنى حسن، فإنه يسوغ ذلك. وأما التقدير الذي قبله فمعناه: أنه مجزي أحسن جزاء العمل، فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها، فجوزي أحسن جزائها، وهي أن جعلت بعشر أمثالها. وفي هذه الآيات تحريك وهز المن تخلف عن الجهرة أن يبادر إلى استدراك ما فرط فيه منها، وثناء على المؤمنين الذين بادروا إلى الهجرة، وتنويه بقدرهم.
* (ووصينا الإنسان) *، في جامع الترمذي: إنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، آلت أمه أن لا يطعم ولا يشرب حتى تموت، أو يكفر. وقيل: في عياش بن أبي ربيعة، أسلم وهاجر مع عمر، وكانت أمه شديدة الحب له، وحلفت على مثل ذلك، فتحيل عليه أبو جهل وأخوه الحارث، فشداه وثاقا حين خرج معهما من المدينة إلى أمه قصد ليراها، وجلده كل منهما مائة جلدة، ورداه إلى أمه فقالت: لا يزال في عذاب حتى يكفر بمحمد، في حديث طويل ذكر في السير. * (ووصينا الإنسان بوالديه) *: أي أمرناه بتعهدهما ومراعاتهما. وانتصب * (حسنا) * على أنه مصدر، وصف به مصدر وصينا، أي إيصاء حسنا، أي ذا حسن، أو على سبيل المبالغة، أي هو في ذاته حسن. قال ابن عطية: يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تحريض على كونه عاما لمعان. كما تقول: وصيتك خيرا، وأوصيتك شرا؛ وعبر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحسن ذلك دون حرف الجر، كون حرف الجر في قوله: * (بوالديه) *، لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسن في قوله مع والده، ونظير هذا قول الشاعر: