أراد: * (أوتيته على علم) * من الله وتخصيص من لدنه قصدني به، أي فلا يلزمني فيه شيء مما قلتم، ثم جعل قوله: * (عندى) *، كما يقول: في معتقدي وعلى ما أراه. وقال مقاتل: * (على علم) *، أي على خير علمه الله عندي. والظاهر أن قوله: * (أو لم * يعلم) *، تقرير لعلمه ذلك، وتنبيه على خطئه في اغتراره؛ أي قد علم أن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى، لأنه قد قرأه في التوراة، وأخبر به موسى، وسمعه في التواريخ، كأنه قيل: أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم؟ هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون نعتا لعلمه بذلك، لأنه لما قال: * (أوتيته على علم عندى) *، فتنفح بالعلم وتعظم به، قيل: أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه؟ وأرى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافح حتى يقي نفسه مصارع الهالكين. انتهى. * (وأكثر جمعا) *، إما للمال، أو جماعة يحوطونه ويخدمونه. قال ابن عطية: * (أو لم * يعلم) *، يرجح أن قارون تشبع بعلم نفسه على زعمه.
وقرأ الجمهور: * (ولا يسئل) *، مبنيا للمفعول و * (المجرمون) *: رفع به، وهو متصل بما قبله، قاله محمد بن كعب. والضمير في * (ذنوبهم) * عائد على من أهلك من القرون، أي لا يسأل غيرهم ممن أجرم، ولا ممن لم يجرم، عمن أهلكه الله، بل: * (كل نفس بما كسبت رهينة) *. وقيل: أهلك من أهلك من القرون، عن علم منه بذنوبهم، فلم يحتج إلى مسألتهم عنها. وقيل: هو مستأنف عن حال يوم القيامة. قال قتادة: لا يسألون عن ذنوبهم لظهورها وكثرتها، لأنهم يدخلون النار بغير حساب. وقال قتادة أيضا، ومجاهد: لا تسألهم الملائكة عن ذنوبهم، لأنهم يعرفونهم بسيماهم من السواد والتشويه، كقوله: * (يعرف المجرمون بسيماهم) *. وقيل: لا يسألون سؤال توبيخ وتفريع. وقرأ أبو جعفر في روايته: ولا تسأل، بالتاء والجزم، المجرمين: نصب. وقرأ ابن سيرين، وأبو العالية: كذلك في ولا تسأل على النهي للمخاطب، وكان ابن أبي إسحاق لا يجوز ذلك إلا أن يكون المجرمين بالياء في محل النصب، بوقوع الفعل عليه. قال صاحب اللوامح: فالظاهر ما قاله، ولم يبلغني في نصب المجرمين شيء، فإن تركاه على رفعه، فله وجهان: أحدهما: أن تكون الهاء والميم في * (عن ذنوبهم) * راجعة إلى ما تقدم من القرون، وارتفاع المجرمين بإضمار المبتدأ، وتقديره: هم المجرمون، أو أولئك المجرمون، ومثله * (التائبون العابدون) * في التوبة. والثاني: أن يكون بدلا من أصل الهاء والميم في ذنوبهم، لأنها، وإن كانت في محل الجر بالإضافة إليها، فإن أصلها الرفع، لأن الإضافة إليها بمنزلة إضافة المصدر إلى اسم الفاعل؛ فعلى ذلك المجرمون محمول على الأصل، على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ: * (أن يضرب مثلا ما بعوضة) * بالجر، على أنها بدل من أصل ا لمثل، وما زائدة فيه، وتقديره: لا يستحي بضرب مثل بعوضة، أي بضرب بعوضة. في ذلك فسر أن مع الفصل بالمصدر ناصب إلى المفعول به، ثم أبدل منه البعوضة من غير أن أعرف فيها أثرا لحال. فأما قوله: من ذنوبهم، فذنوب جمع، فإن كان جمع مصدر، ففي إعماله خلاف. وأما قوله على ما تقدم لنا من أن بعضهم قرأ، فقد ذكر في البقرة أنه سمع ذلك، ولا تعرف فيها أثرا، فينبغي أن لا يجعلها قراءة.
ولما ذكر تعالى قارون ونعته، وما آتاه من الكنوز، وفرحه بذلك فرح البطرين، وادعاءه أن ما أوتي من ذلك إنما أوتيه على علم، ذكر ما هو ناشىء عن التكبر والسرور بما أوتي فقال: * (فخرج على قومه فى زينته) *، وكان يوم السبت: أي أظهر ما يقدر عليه من الملابس والمراكب وزينة الدنيا. قال جابر، ومجاهد: في ثياب حمر. وقال ابن زيد: هو وحشمه في ثياب معصفرة. وقيل: في ثياب الأرجوان. وقيل: على بغلة شهباء عليها الأرجوان، وعليها سرج من ذهب، ومعه أربعة آلاف على زيه. وقيل: عليهم وعلى خيولهم الديباج الأحمر، وعلى يمينه ثلاثمائة غلام، وعلى يساره ثلاثمائة جارية بيض عليهم الحلى والديباج. وقيل: