تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٣٢
أن قوله * (وأقيموا) * التفات من الغيبة إلى الخطاب ويحسنه الخطاب في منكم. وقال الزمخشري: * (وإذ أخذنا) * معطوف على * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * وليس ببعيد أن يقع بين المعطوف والمعطوف عليه. فاصل. وإن طال لأن حق المعطوف أن يكون غير المعطوف عليه وكررت طاعة الرسول توكيدا لوجوبها انتهى.
وقرأ الجمهور * (لا تحسبن) * بتاء الخطاب والتقدير، * (لا تحسبن) * أيها المخاطب ولا يندرج فيه الرسول، وقالوا: هو خطاب للرسول وليس بجيد لأن مثل هذا الحسبان لا يتصور وقوعه فيه عليه السلام. وقرأ حمزة وابن عامر لا يحسبن بالياء للغيبة، والتقدير لا يحسبن حاسب، والرسول لا يندرج في حاسب وقالوا: يكون ضمير الفاعل للرسول لتقدم ذكره في * (وأطيعوا الرسول) * قاله أبو علي والزمخشري وليس بجيد لما ذكرناه في قراءة التاء. وقال النحاس: ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يخطئ قراءة حمزة، فمنهم من يقول: هي لحن لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد ليحسبن، وممن قال هذا أبو حاتم انتهى. وقال الفراء: هو ضعيف وأجازه على حذف المفعول الثاني وهو قول البصريين تقديره أنفسهم. و * (معاجزين) * المفعول الثاني.
وقال علي بن سليمان: * (الذين كفروا) * في موضع نصب قال: ويكون المعنى ولا يحسبن الكافر * (الذين كفروا معجزين فى الارض) *. وقال الكوفيون: * (معاجزين) * المفعول الأول. و * (فى الارض) * الثاني قيل: وهو خطأ وذلك لأن ظاهر في * (الارض) * تعلقه بمعجزين، فلا يكون مفعولا ثانيا. وخرج الزمخشري ذلك متبعا قول الكوفيين. فقال * (معجزين فى الارض) * هما المفعولان والمعنى لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا لهم في مثل ذلك، وهذا معنى قوي جيد انتهى. وقال أيضا: يكون الأصل: لا يحسبنهم * (الذين كفروا معجزين) * ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول، وكان الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين لما كانت كالشئ الواحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث انتهى. وقد رددنا هذا التخريج في آل عمران في قوله * (لا * يحسبن الذين * يفرحون بما أتوا) * في قراءة من قرأ بياء الغيبة، وجعل الفاعل * (الذين يفرحون) * وملخصه أنه ليس هذا من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يتقدر لا يحسبنهم إذ لا يجوز ظنه زيد قائما على تقدير رفع زيد بظنه.
* (ومأواهم النار) * قال الزمخشري: عطف على * (لا تحسبن) * كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله * (ومأواهم النار) * والمراد بهم المقسمون جهد أيمانهم انتهى. وقال صاحب النظام لا يحتمل أن يكون * (ومأواهم) * متصلا بقوله * (لا تحسبن الذين كفروا معجزين فى الارض) * بل هم مقهورون * (ومأواهم النار) * انتهى. واستبعد العطف من حيث إن * (لا تحسبن) * نهي * (ومأواهم النار) * جملة خبرية فلم يناسب عنده أن يعطف الجملة الخبرية على جملة النهي لتباينهما وهذا مذهب قوم. ولما أحسن الزمخشري بهذا قال: كأنه قيل الذين كفروا لا يفوتون الله فتأول جملة النهي بجملة خبرية حتى تقع المناسبة، والصحيح أن ذلك لا يشترط بل يجوز عطف الجمل على اختلافها بعضا على بعض وإن لم تتحد في النوعية وهو مذهب سيبويه.
2 (* (ياأيها الذين ءامنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلواة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلواة العشآء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الا يات والله عليم حكيم * وإذا بلغ الا طفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذالك يبين الله لكم ءاياته والله عليم حكيم * والقواعد من النسآء اللاتى لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم * ليس على الا عمى حرج ولا على الا عرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت ءابآئكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه أو صديقكم ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة كذلك يبين الله لكم الا يات لعلكم تعقلون) *)) 2 روي أن عمر بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم) غلاما من الأنصار يقال له مدلج، وكان نائما فدق عليه الباب ودخل، فاستيقظ وجلس فانكشف منه شيء فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا عن
(٤٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 427 428 429 430 431 432 433 434 435 436 437 ... » »»