مكافحة العدو وما كانوا فيه من الخوف وأنهم لا يضعون أسلحتهم فنزل * (وعد الله الذين ءامنوا منكم) *. وروي أنه عليه الصلاة والسلام لما قال بعضهم ما أتى علينا يوم نأمن من فيه ونضع السلاح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم): (لا تغبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليسمعه حديدة). قال ابن عباس: وهذا الوعد وعده الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم) في التوراة والإنجيل. والخطاب في * (منكم) * للرسول وأتباعه و * (من) * للبيان أي الذين هم أنتم وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر ويورثهم الأرض ويجعلهم خلفاء. وقوله * (فى الارض) * هي البلاد التي تجاورهم وهي جزيرة العرب، ثم افتتحوا بلاد الشرق والغرب ومزقوا ملك الأكاسرة وملكوا خزائنهم واستولوا على الدنيا. وفي الصحيح: (زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي عنها). قال بعض العلماء: ولذلك اتسع نطاق الإسلام في الشرق والغرب دون اتساعه في الجنوب والشمال. قلت: ولا سيما في عصرنا هذا بإسلام معظم العالم في المشرق كقبائل الترك، وفي المغرب كبلاد السودان التكرور والحبشة وبلاد الهند.
* (كما استخلف الذين من قبلهم) * أي بني إسرائيل حين أورثهم مصر والشام بعد هلاك الجبابرة. وقيل: هو ما كان في زمان داود وسليمان عليهما السلام، وكان الغالب على الأرض المؤمنون. وقرئ * (كما استخلف) * مبنيا للمفعول. واللام في * (ليستخلفنهم) * جواب قسم محذوف، أي وأقسم * (ليستخلفنهم) * أو أجرى وعد الله لتحققه مجرى القسم فجووب بما يجاوب به القسم. وعلى التقدير حذف القسم بكون معمول * (وعد) * محذوفا تقديره استخلافكم وتمكين دينكم. ودل عليه جواب القسم المحذوف. وقال الضحاك: هذه الآية تتضمن خلافه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي لأنهم أهل الإيمان وعمل الصالحات. وقال صلى الله عليه وسلم): (الخلافة بعدي ثلاثون) انتهى. ونيدرج من جرى مجراهم في العدل من استخلف من قريش كعمر بن عبد العزيز من الأمويين، والمهتدين بالله في العباسيين.
* (وليمكنن لهم دينهم) * أي يثبته ويوطده بإظهاره وإعزاز أهله وإذلال الشرك وأهله. و * (الذى ارتضى لهم) * صفة مدح جليلة وقد بلغت هذه الأمة في تمكين هذا الدين الغاية القصوى مما أظهر الله على أيديهم من الفتوح والعلوم التي فاقوا فيها جميع العالم من لدن آدم إلى زمان هذه الملة المحمدية. وقرأ الجمهور * (وليبدلنهم) * بالتشديد وابن كثير وأبو بكر والحسن وابن محيصن بالتخفيف. وقال أبو العالية: لما أظهر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم) على جزيرة العرب وضعوا السلاح وآمنوا، ثم قبض الله نبيه عليه السلام فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة، فأدخل الله عليهم الخوف فغيروا فغير الله ما بهم.
* (يعبدوننى) * الظاهر أنه مستأنف فلا موضع له من الإعراب كأنه قيل: ما لهم يستخلفون ويؤمنون فقال * (يعبدوننى) * قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: * (يعبدوننى) * فعل مستأنف أي هم * (يعبدوننى) * ويعني بالاستئناف الجملة لا نفس الفعل وحده وقاله الحوفي قال: ويجوز أن يكون مستأنفا على طريق الثناء عليهم أي هم * (يعبدوننى) *. وقال الزمخشري: وإن جعلته حالا عن وعدهم أي وعدهم الله ذلك في حال عبادتهم وإخلاصهم فمحله النصب انتهى. وقال الحوفي قبله. وقال أبو البقاء: * (يعبدوننى) * حال من * (ليستخلفنهم) * و * (* ليبدلنهم) * * (بربهم لا يشركون) * بدل من * (يعبدوننى) * أو حال من الفاعل في * (يعبدوننى) * موحدين انتهى. والظاهر أنه متى أطلق الكفر كان مقابل الإسلام والإيمان وهو ظاهر قول حذيفة قال: كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، وقد ذهب ولم يبق إلا كفر بعد إيمان. قال ابن عطية: يحتمل أن يريد كفر هذه النعم إذا وقعت ويكون الفسق على هذا غير مخرج عن الملة. قيل: ظهر في قتلة عثمان.
وقال الزمخشري: * (ومن كفر) * يريد كفران النعمة كقوله * (فكفرت بأنعم الله) * * (فأولئك هم الفاسقون) * أي هم الكاملون في فسقهم حيث كفروا تلك النعمة العظيمة. والظاهر