تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٢٨
وهم الملائكة، ومن نار وهم الجن، ومن تراب وهم آدم. وخلق عيسى من الروح وكثير من الحيوان لا يتولد من نطفة. وقيل * (كل دابة) * على العموم في هذه الأشياء كلها وإن أصل جميع المخلوقات الماء، فروي أن أول ما خلق الله جوهرة فنظر إليها بعين الهيبة فصارت ماء، ثم خلق من ذلك الماء النار والهواء والنور، ولما كان المقصود من هذه الآية بيان أصل الخلقة وكان الأصل الأول هو الماء قال: * (خلق كل دابة من ماء) *. وقال القفال: ليس * (من ماء) * متعلقا بخلق وإنما هو في موضع الصفة لكل دابة، فالمعنى الإخبار أنه تعالى خلق كل دابة متولدة من الماء أي متولدة من الماء مخلوقة لله تعالى. ونكر الماء هنا وعرف في * (وجعلنا من الماء كل شىء حى) * لأن المعنى هنا * (خلق كل دابة) * من نوع من الماء مختص بهذه الدابة، أو * (من ماء) * مخصوص وهو النطفة، ثم خالف بين المخلوقات من النطفة هوام وبهائم وناس كما قال * (يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض فى الاكل) * وهنا قصد أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينها وبينه وسائط كما قيل: إن أصل النور والنار والتراب الماء.
* وسمي الزحف على البطن مشيا لمشاكلته ما بعده من ذكر الماشين أو استعارة، كما قالوا: قد مشى هذا الأمر وما يتمشى لفلان أمر، كما استعاروا المشفر للشفة والشفة للجحفلة. والماشي * (على بطنه) * الحيات والحوت ونحو ذلك من الدود وغيره. و * (على رجلين) * الإنسان والطير والأربع لسائر حيوان الأرض من البهائم وغيرها، فإن وجد من له أكثر من أربع. فقيل: اعتماده إنما هو على أربع ولا يفتقر في مشيه إلى جميعها وقد ما هو أعرف في القدرة وأعجب وهو الماشي بغير آلة مشى من له رجل وقوائم، ثم الماشي على رجلين ثم الماشي على أربع. وفي مصحف أبي ومنهم من يمشي على أكثر، فعم بهذه الزيادة جميع الحيوان لكنه لم يثبت قرآنا ولعله ما أورده قرآن بل تنبيها على أن الله خلق من يمشي على أكثر من أربع كالعنكبوت والعقرب والرتيلاء وذي أربع وأربعين رجلا وتسمى الاذن وهذا النوع لندوره لم يذكر.
* (يخلق الله ما يشاء) * إشارة إلى أنه تعالى ما تعلقت به إرادة خلقه أنشأه واخترعه، وفي ذلك تنبيه على كثرة الحيوان وأنها كما اختلفت بكيفية المشيء اختلفت بأمور أخر.
2 (* (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذالك ومآ أولائك بالمؤمنين * وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفى قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولائك هم الظالمون * إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولائك هم المفلحون * ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولائك هم الفآئزون * وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون * قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين * وعد الله الذين ءامنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الا رض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذالك فأولائك هم الفاسقون * وأقيموا الصلواة وآتوا الزكواة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون * لا تحسبن الذين كفروا معجزين فى الا رض ومأواهم النار ولبئس المصير) *)) 2 نزلت إلى قوله * (إلا البلاغ المبين) * في المنافقين بسبب منافق اسمه بشر، دعاه يهودي في خصومة بينهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم)، ودعا هو إلى كعب بن الأشرف فنزلت.
ولما ذكر تعالى دلائل التوحيد أتبع ذلك بذم قوم آمنوا بألسنتهم دون عقائدهم. * (ثم يتولى فريق منهم) * عن الإيمان. * (بعد ذلك) * أي بعد قولهم * (من) * * (وما أولئك) * إشارة إلى القائلين فينتفي عن جميعهم الإيمان، أو إلى الفريق المتولي فيكون ما سبق لهم من الإيمان ليس إيمانا إنما كان ادعاء باللسان من غير مواطأة بالقلب. وأفرد الضمير في * (ليحكم بينهم) * وقد تقدم قوله * (إلى الله ورسوله) * لأن حكم الرسول هو عن الله. قال الزمخشري: كقولك أعجبني زيد وكرمه يريد كرم زيد ومنه:
(٤٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 ... » »»