تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٤٣٧
بالإضافة إلى الضمير فهو في رتبة العلم، فهو أكثر تعريفا من ذي اللام فلا يصح النعت به على المذهب المشهور، لأن النعت يكون دون المنعوت أو مساويا له في التعريف. ثم قال صاحب اللوامح: ويجوز أن يكون نعتا لكونهما معرفتين انتهى. وكأنه مناقض لما قرر من اختياره البدل وينبغي أن يجوز النعت لأن الرسول قد صار علما بالغلبة كالبيت للكعبة إذ ما جاء في القرآن والسنة من لفظ الرسول إنما يفهم منه أنه محمد صلى الله عليه وسلم)، فإاذ كان كذلك فقد تساويا في التعريف. ومعنى * (يتسللون) * ينصرفون قليلا قليلا عن الجماعة في خفية، ولواذ بعضهم ببعض أي هذا يلوذ بهذا وهذا بذاك بحيث يدور معه حيث دار استتارا من الرسول.
وقال الحسن * (لواذا) * فرارا من الجهاد. وقيل: في حفر الخندق ينصرف المنافقون بغير إذن ويستأذن المؤمنون إذا عرضت لهم حاجة. وقال مجاهد لوذا خلافا. وقال أيضا * (يتسللون) * من الصف في القتال وقيل: * (يتسللون) * على رسول الله صلى الله عليه وسلم) وعلى كتابه وعلى ذكره. وانتصب * (لواذا) * على أنه مصدر في موضع الحال أي متلاوذين، و * (لواذا) * مصدر لاوذ صحت العين في الفعل فصحت في المصدر، ولو كان مصدر لاذ لكان لياذا كقام قياما. وقرأ يزيد بن قطيب * (لواذا) * بفتح اللام، فاحتمل أن يكون مصدر لاذ ولم يقبل لأنه لا كسرة قبل الواو فهو كطاف طوافا. واحتمل أن يكون مصدر لاوذ وكانت فتحة اللام لأجل فتحة الواو وخالف يتعدى بنفسه تقول: خالفت أمر زيد وبالي تقول: خالفت إلى كذا فقوله * (عن أمره) * ضمن خالف معنى صد وأعرض فعاده بعن. وقال ابن عطية: معناه يقع خلافهم بعد أمره كما تقول كان المرط عن ريح و * (عن) * هي لما عدا الشيء. وقال أبو عبيدة والأخفش * (عن) * زائدة أي * (أمره) * والظاهر أن الأمر بالحذر للوجوب وهو قول الجمهور، وأن الضمير في * (أمره) * عائد على الله. وقيل على الرسول.
وقرئ يخلفون بالتشديد أي يخلفون أنفسهم بعد أمره، والفتنة القتل قاله ابن عباس أيضا أو بلاء قاله مجاهد، أو كفر قاله السدي ومقاتل، أو إسباغ النعم استدراجا قاله الجراح، أو قسوة القلب عن معرفة المعروف والمنكر قاله الجنيد، أو طبع على القلوب قاله بعضهم. وهذه الأقوال خرجت مخرج التمثيل لا الحصر وهي في الدنيا. أو * (عذاب أليم) *. قيل: عذاب الآخرة. وقيل: هو القتل في الدنيا.
* (ألا إن لله ما فى * السماوات والارض) * هذا كالدلالة على قدرته تعالى عليهما وعلى المكلف فيما يعامله به من المجازاة من ثوابه وعقابه. * (قد يعلم ما أنتم عليه) * أي من مخالفة أمر الله وأمر رسوله وفيه تهديد ووعيد، والظاهر أنه خطاب للمنافقين. وقال الزمخشري: ادخل * (قد) * ليؤكد علمه بما هم عليه من المخالفة عن الدين والنفاق، ويرجع توكيد العلم إلى توكيد الوعيد وذلك أن قد إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما، فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التنكير في نحو قوله:
* فإن يمس مهجور الفناء فربما * أقام به بعد الوفود وفود * ونحو من ذلك قول زهير:
* أخي ثقة لا يهلك الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله * انتهى. وكون قد إذا دخلت على المضارع أفادت التكثير قول بعض النحاة وليس بصحيح، وإنما التكثير مفهوم من سياقة الكلام في المدح والصحيح في رب إنها لتقليل الشيء أو تقليل نظيره فإن فهم تكثير فليس ذلك من رب. ولا قد إنما هو من سياقه الكلام، وقد بين ذلك في علم النحو.
وقرأ الجمهور * (يرجعون) * مبنيا للمفعول. وقرأ ابن يعمر وابن أبي إسحاق وأبو عمرو مبنيا للفاعل. والتفت من ضمير الخطاب في * (أنتم) * إلى ضمير الغيبة في * (يرجعون) * ويجوز
(٤٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 432 433 434 435 436 437 438 439 440 441 442 ... » »»