وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من * (هاذا) * و * (هاذا) * استفهام يصحبه استهزاء أي * (مال * هاذا) * الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل كما قال * (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون فى الاسواق) * أي حاله كحالنا أي كان يجب أن يكون مستغنيا عن الأكل والتعيش، ثم قالوا: وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير. وقرئ فتكون بالرفع حكاه أبو معاذ عطفا على * (أنزل) * لأن * (أنزل) * في موضع رفع وهو ماض وقع موقع المضارع، أي هلا ينزل إليه ملك أو هو جواب التحضيض على إضمار هو، أي فهو يكون. وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التحضيض. وقوله * (أو يلقى) * * (أو) * يكون عطف على * (أنزل) * أي لولا ينزل فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين، ولا يجوز النصب في * (أو يلقى) * ولا في * (أو تكون) * عطفا على * (فيكون) * لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله * (لو * لا * أنزل) *. وقرأ قتادة والأعمش: أو يكون بالياء من تحت. وقرأ * (يأكل) * بياء الغيبة أي الرسول، وزيد بن علي وحمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش بنون الجمع أي يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم.
* (وقال الظالمون) * أي للمؤمنين. قال الزمخشري: وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه انتهى. وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيبا سائغا بل التركيب العربي أن يقول: وأرادهم بأعيانهم بالظالمين * (مسحورا) * غلب على عقله السحر وهذا أظهر، أو ذا سحر وهو الرئة، أو يسحر بالطعام وبالشراب أي يغذي، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه. وقيل * (مسحورا) * ساحرا عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك. وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل: والقائلون ذلك النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم.
* (انظر كيف ضربوا لك الامثال) * أي قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة من نبوة مشتركة بين إنسان وملك وإلقاء كنز عليك وغير ذلك فبقوا متحيرين ضلالا لا يجدون قولا يستقرون عليه، أي فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقا له. وقيل: * (ضربوا لك الامثال) * بالمسحور والكاهن والشاعر وغيره * (فضلوا) * أخطؤوا الطريق فلا يجدون سبيل هداية ولا يطيقونه لالتباسهم بضده من الضلال. وقيل * (فلا يستطيعون سبيلا) * إلى حجة وبرهان على ما يقولون، فمرة يقولون هو بليغ فصيح يتقول القرآن من نفسه ويفتريه ومرة مجنون ومرة ساحر ومرة مسحور. وقال ابن عباس: شبه لك هؤلاء المشركون الأشباه بقولهم هو مسحور فضلوا بذلك عن قصد السبيل، فلا يجدون طريقا إلى الحق الذي بعثك به. وقال مجاهد: لا يجدون مخرجا يخرجهم عن الأمثال التي * (ضربوا لك) *. ومعناه أنهم * (ضربوا لك) * هذه ليتوصلوا بها إلى تكذيبك * (فضلوا) * عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
وقال بو عبد الله الرازي؛ * (انظر كيف) * اشتغل القوم بضرب هذه الأمثال التي لا فائدة فيها لأجل أنهم لما ضلوا وأرادوا القدح في نبوتك، لم يجدوا إلى القدح سبيلا إذا لطعن عليه إنما يكون فيما يقدح في المعجزات التي ادعاها لا بهذا الجنس من القول. وقال الفراء: لا يستطيعون في أمرك حيلة. وقال السدي * (سبيلا) * إلى الطعن.
ولما قال المشركون ما قالوا قيل: فيما يروى إن شئت أن نعطيك خزائن الدنيا ومفاتيحها، ولم يعط ذلك أحد قبلك ولا يعطاه أحد بعدك وليس ذلك بناقصك في الآخرة شيئا، وإن شئت جمعناه لك في الآخرة فقال: يجمع لي ذلك في الآخرة فنزل * (تبارك الذى) *. وعن ابن عباس عنه عليه السلام قال: عرض على جبريل عليه السلام بطحاء مكة ذهبا فقلت: بل شبعة وثلاث جوعات، وذلك أكثر لذكري ومسألتي. قال الزمخشري في * (تبارك) * أي تكاثر خيرا * (الذى إن شاء) * وهب لك في الدنيا * (خيرا) * مما قالوا وهو أن يجعل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور انتهى. والإشارة بذلك الظاهر أنه إلى ما ذكره الكفار من الجنة والكنز في الدنيا قاله مجاهد. ويبعد تأويل ابن عباس أنه إشاة إلى أكله الطعام