* (من) * الأولى لابتداء الغاية. وأما * (من جبال) *. فقال الحوفي: هي بدل من * (السماء) * ثم قال: وهي للتبعيض، وهذا خطأ لأن الأولى لابتداء الغاية في ما دخلت عليه، وإذ كانت الثانية بدلا لزم أن يكون مثلها لابتداء الغاية، لو قلت: خرجت من بغداد من الكرخ لزم أن يكونا معا لابتداء الغاية. وقال الزمخشري وابن عطية: هي للتبعيض فيكون على قولهما في موضع المفعول لينزل. قال الحوفي والزمخشري: والثانية للبيان انتهى. فيكون التقدير وينزل من السماء بعض جبال فيها التي هي البرد فالمنزل برد لأن بعض البرد برد فمفعول * (ينزل) * * (من جبال) *.
قال الزمخشري: أو الأولان للابتداء والأخيرة للتبعيض، ومعناه أنه ينزل البرد من السماء من جبال فيها انتهى. فيكون * (من جبال) * بدلا * (من السماء) *.
وقيل: * (من) * الثانية والثالثة زائدتان وقاله الأخفش، وهما في موضع نصب عنده كأنه قال: وينزل من السماء جبالا فيها أي في السماء بردا وبردا بدل أي برد جبال. وقال الفراء: هما زائدتان أي جبالا فيها برد لا حصى فيها ولا حجر، أي يجتمع البرد فيصير كالجبال على التهويل فبرد مبتدأ وفيها خبره. والضمير في * (فيها) * عائد على * (الجبال) * أو فاعل بالجار والمجرور لأنه قد اعتمد بكونه في موضع الصفة لجبال. وقيل: * (من) * الأولى والثانية لابتداء الغاية، والثالثة زائدة أي * (وينزل من السماء من جبال) * السماء بردا. وقال الزجاج: معناه * (وينزل من السماء من جبال) * برد فيها كما تقول: هذا خاتم في يدي من حديد، أي خاتم حديد في يدي، وإنما جئت في هذا وفي الآية بمن لما فرقت، ولأنك إذا قلت: هذا خاتم حديد كان المعنى واحدا انتهى. فعلى هذا يكون * (من برد) * في موضع الصفة لجبال، كما كان من في من حديد صفة لخاتم، فيكون في موضع جر ويكون مفعول * (ينزل) * هو * (من جبال) * وإذا كانت الجبال * (من برد) * لزم أن يكون المنزل بردا. والظاهر إعادة الضمير في * (به) * على البرد، ويحتمل أن يكون أريد به الودق والبرد وجرى في ذلك مجرى اسم الإشارة. وكأنه قال: فيصيب بذلك والمطر هو أعم وأغلب في الإصابة والصرف أبلغ في المنفعة والامتنان.
وقرأ الجمهور * (سنا) * مقصورا * (برقه) * مفردا. وقرأ طلحة بن مصرف سناء ممدودا * (برقه) * بضم الباء وفتح الراء جمع برقه بضم الباء، وهي المقدار من البرق كالغرفة واللقمة، وعنه بضم الباء والراء اتبع حركة الراء لحركة الباء كما اتبعت في * (ظلمات) * وأصلها السكون. والسناء بالمد ارتفاع الشأن كأنه شبه المحسوس من البرق لارتفاعه في الهواء بغير المحسوس من الإنسان، فإن ذلك صيب لا يحس به بصر. وقرأ الجمهور * (يذهب) * بفتح الياء والهاء وأبو جعفر * (يذهب) * بضم الياء وكسر الهاء. وذهب الأخفش وأبو حاتم إلى تخطئة أبي جعفر في هذه القراءة قالا: لأن الياء تعاقب الهمزة وليس بصواب لأنه لم يكن ليقرأ إلا بما روي. وقد أخذ القراءة عن سادات التابعين الآخذين عن جلة الصحابة أبي وغيره، ولم ينفرد بها أبو جعفر بل قرأه شيبة كذلك وخرج ذلك على زيادة الباء أي يذهب الأبصار. وعلى أن الباء بمعنى من والمفعول محذوف تقديره يذهب النور من الأبصار كما قال:
شع شرب النزيف ببرد ماء الحشرج يريد من برد. وتقليب الليل والنهار آيتان أحدهما بعد الآخر أو زيادة هذا وعكسه، أو يغير النهار بظلمة السحاب مرة وضوء الشمس أخرى، ويغير الليل باشتداد ظلمته مرة وضوء القمر أخرى، أو باختلاف ما يقدر فيهما من الخير والنفع والشدة والنعمة والأمن ومقابلاتها ونحو ذلك أقوال أربعة إن في ذلك إشارة إلى ما تقدم من الدلائل الدالة على وحدانيته من تسبيح من ذكر وتسخير السحاب. وما يحدثه تعالى فيه من أفعاله حتى ينزل المطر فيقسم رحمته بين خلقه وإراءتهم البرق في السحاب الذي يكاد يخطف الأبصار ويقلب الليل والنهار.
* (لعبرة) * أي اتعاظا. وخص أولو الأبصار بالاتعاظ لأن البصر والبصيرة إذا استعملا وصلا إلى إدراك الحق كقوله * (إنما يتذكر أولو الالباب) *.
وقرأ الجمهور * (خلق) * فعلا ماضيا. * (كل) * نصب. وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب والأعمش خالق اسم فاعل مضاف إلى * (كل) *. والدابة: ما يحرك أمامه قدما ويدخل فيه الطير. قال الشاعر:
* دبيب قطا البطحاء في كل منهل والحوت وفي الحديث: (دابة من البحر مثل الظرب). واندرج في * (كل دابة) * المميز وغيره، فسهل التفصيل بمن التي لمن يعقل وما لا يعقل إذا كان مندرجا في العام، فحكم له بحكمه كان الدواب كلهم مميزون. والظاهر أن * (من ماء) * متعلق بخلق. و * (من) * لابتداء الغاية، أي ابتدأ خلقها من الماء. فقيل: لما كان غالب الحيوان مخلوقا من الماء لتولده من النطفة أو لكونه لا يعيش إلا بالماء أطلق لفظ * (كل) * تنزيلا للغالب منزلة العام، ويخرج عما خلق من ماء ما خلق من نور