تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٣٢٧
وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة فلا يكون ذلك مفعولا لم يسم فاعله، وأما الثاني فلا يجوز أيضا على مذهب البصريين لأنه لا تكسر أن بعد ما هو بمعنى القول، بل بعد القول صريحة، ومعنى * (ويهديه) * ويسوقه وعبر بلفظ الهداية على سبيل التهكم.
ولما ذكر تعالى من يجادل في قدرة الله بغير علم وكان جدالهم في الحشر والمعاد ذكر دليلين واضحين على ذلك أحدهما في نفس الإنسان وابتداء خلقه، وتطوره في مراتب سبع وهي التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإخراج طفلا، وبلوغ الأشد، والتوفي أو الرد إلى الهرم. والثاني في الأرض التي تشاهدون تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلا فإذا ورد خبر الشرع بوقوعه وجب التصديق به وأنه واقع لا محالة.
وقرأ الحسن * (من البعث) * بفتح العين وهي لغة فيه كالحلب والطرد في الحلب والطرد، والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف يقيسونه فيما وسطه حرف حلق كالنهر والنهر والشعر والشعر، والبصريون لا يقيسونه وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان. والمعنى إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم * (من تراب) * أي أصلكم آدم وسلط الفعل عليهم من حيث هم من ذريته، أو باعتبار وسائط التولد لأن المني ودم الطمث يتولدان من الأغذية والأغذية حيوان ونبات، والحيوان يعود إلى النبات، والنبات من الأرض والماء والنطفة المني. وقيل * (نطفة) * آدم قاله النقاش. والعلقة قطعة الدم الجامدة ومعنى * (وغير مخلقة) * أي ليست كاملة ولا ملساء فالمضغ متفاوتة لذلك تفاوتوا طولا وقصرا وتماما ونقصانا. وقال مجاهد * (غير * مخلقة) * هي التي تستسقط وقاله قتادة والشعبي وأبو العالية. ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل واحد منها مختص بخلق حسن تضعيف الفعل لأن فيه خلقا كثيرة.
وقرأ ابن أبي عبلة * (مخلقة) * بالنصب وغير بالنصب أيضا نصبا على الحال من النكرة المتقدمة، وهو قليل وقاسه سيبويه. قال الزمخشري: و * (لنبين لكم) * بهذا التدريج قدرتنا وإن من قدر على خلق البشر * (من تراب) * أولا * (ثم من نطفة) * ثانيا ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على أن يجعل النطفة * (علقة) * وبينهما تباين ظاهر ثم يجعل العلقة * (مضغة) * والمضغة عظاما قدر على إعادة ما أبداه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس وورود الفعل غير معدي إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يكتنهه الفكر ولا يحيط به الوصف انتهى.
و * (لنبين) * متعلق بخلقناكم. وقيل * (لنبين) * لكم أمر البعث. قال ابن عطية: وهو اعتراض بين الكلامين. وقال الكرماني: يعني رشدكم وضلالكم. وقيل * (لنبين لكم) * أن التخليق هو اختيار من الفاعل المختار، ولولاه ما صار بعضه غير مخلق. وقرأ ابن أبي عبلة ليبين لكم ويقر بالياء. وقرأ يعقوب وعاصم في رواية * (ونقر) * بالنصب عطفا على * (لنبين) *.
وعن عاصم أيضا ثم يخرجكم بنصب الجيم عطفا على * (ونقر) * إذا نصب. وعن يعقوب * (ونقر) * بفتح النون وضم القاف والراء من قر الماء صبه. وقرأ أبو زيد النحوي ويقر بفتح الياء والراء وكسر القاف وفي الكلام لابن حبار * (لنبين) * * (ونقر) * * (* ونخرجكم) * بالنصب فيهن. المفضل وبالياء فيهما مع النصب، أبو حاتم وبالياء والرفع عمر بن شبة انتهى.
قال الزمخشري: والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره من ذلك.
* (ويؤخركم إلى أجل مسمى) * وهو وقت الوضع وما لم يشأ إقراره مجته الأرحام أو أسقطته. والقراءة بالنصب تعليل معطوف على تعليل والمعنى * (خلقناكم) * مدرجين هذا التدريج لغرضين أحدهما: أن نبين قدرتنا والثاني أن * (نقر فى * الارحام) * من نقر حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله * (ثم لتبلغوا أشدكم) * انتهى.
وقرأ يحيى بن وثاب * (ما نشاء) * بكسر النون والأجل المسمى مختلف فيه بحسب جنين جنين فساقط وكامل أمره خارج حيا ووحد * (طفلا) * لأنه مصدر في
(٣٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 322 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 ... » »»