تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٦ - الصفحة ٢١٣
والجمهور يشترطونه.
وقال الزمخشري: فإن قلت: أما يجوز أن تقول: ما أنزلنا عليك القرآن أن تشقى كقوله * (أن تحبط أعمالكم) * قلت: بلى ولكنها نصبة طارئة كالنصبة في * (واختار موسى قومه) * وأما النصبة في * (تذكرة) * فهي كالتي في ضربت زيد لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها انتهى. وليس كون أن تشقى إذا حذف الجار منصوب متفقا عليه بل في ذلك خلاف. أهو منصوب تعدى إليه الفعل بعد إسقاط الحرف أو مجرور بإسقاط الجار وإبقاء عمله؟
وقال ابن عطية: * (إلا تذكرة) * يصح أن ينصب على البدل من موضع * (لتشقى) * ويصح أن ينصب بإضمار فعل تقديره لكن أنزلناه تذكرة انتهى. وقد رد الزمخشري تخريج ابن عطية الأول فقال: فإن قلت: هل يجوز أن يكون * (تذكرة) * بدلا من محل * (لتشقى) *؟ قلت: لا لاختلاف الجنسين ولكنها نصب على الاستثناء المنقطع الذي إلا فيه بمعنى لكن انتهى. ويعني باختلاف الجنسين أن نصب * (تذكرة) * نصبة صحيحة ليست بعارضة والنصبة التي تكون في * (لتشقى) * بعد نزع الخافض نصبة عارضة والذي نقول أنه ليس له محل البتة فيتوهم البدل منه.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى * (إنا أنزلنا) * إليك * (القرءان) * لتحمل متاعب التبليغ ومقاولة العتاة من أعداء الإسلام ومقاتلتهم وغير ذلك من أنواع المشاق وتكاليف النبوة و * (ما أنزلنا عليك) * هذا المتعب الشاق * (إلا) * ليكون * (تذكرة) * وعلى هذا الوجه يجوز أن كيون * (تذكرة) * حالا ومفعولا له * (لمن يخشى) * لمن يؤول أمره إلى الخشية انتهى. وهذا معنى متكلف بعيد من اللفظ وكون * (إلا تذكرة) * بدل من محل * (لتشقى) * هو قول الزجاج. وقال النحاس: هذا وجه بعيد وأنكره أبو علي من قبل أن التذكرة ليست بشقاء. وقال الحوفي: ويجوز أن يكون * (تذكرة) * بدلا من * (القرءان) * ويكون * (القرءان) * هو * (التذكرة) * وأجاز هو وأبو البقاء أن يكون مصدرا أي لكن ذكرنا به * (تذكرة) *. قال أبو البقاء ولا يجوز أن يكون مفعولا له لأنزلنا المذكور لأنه قد تعدى إلى مفعول وهو * (لتشقى) * ولا يتعدى إلى آخر من جنسه انتهى. والخشية باعثة على الإيمان والعمل الصالح.
وانتصاب * (تنزيلا) * على أنه مصدر لفعل محذوف أي نزل * (تنزيلا ممن خلق) *. وقال الزمخشري: في نصب * (تنزيلا) * وجوه أن يكون بدلا من * (تذكرة) * إذا جعل حالا لا إذا كان مفعولا له، لأن الشيء لا يعلل بنفسه، وأن ينصب بنزل مضمرا، وأن ينصب بأنزلنا لأن معنى * (ما أنزلنا) * * (إلا تذكرة) * أنزلناه تذكرة، وأن ينصب على المدح والاختصاص، وأن ينصب بيخشى مفعولا به أي أنزله الله * (تذكرة لمن يخشى) * تنزيل الله وهو معنى حسن وإعراب بين انتهى. والأحسن ما قدمناه أولا من أنه منصوب بنزل مضمرة. وما ذكره الزمخشري من نصبه على غير ذلك متكلف أما الأول ففيه جعل * (تذكرة) * و * (تنزيلا) * حالين وهما مصدران، وجعل المصدر حالا لا ينقاس، وأيضا فمدلول * (تذكرة) * ليس مدلول * (تنزيلا) * ولا * (تنزيلا) * بعض * (تذكرة) * فإن كان بدلا فيكون بدل اشتمال على مذهب من يرى أن الثاني مشتمل على الأول لأن التنزيل مشتمل على التذكرة وغيرها. وأما قوله: لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرة أنزلناه تذكرة فليس كذلك لأن معنى الحصر يفوت في قوله أنزلناه تذكرة، وأما نصبه على المدح فبعيد، وأما نصبه بمن يخشى ففي غاية البعد لأن يخشى رأس آية وفاصل فلا يناسب أن يكون تنزيل مفعولا بيخشى وقوله فيه وهو معنى حسن وإعراب بين عجمة وبعد عن إدراك الفصاحة.
وقرأ ابن أبي عبلة تنزيل رفعا على إضمار هو، وهذه القراءة تدل على عدم تعلق يخشى بتنزيل وأنه منقطع مما قبله فنصبه على إضمار نزل كما ذكرناه، ومن الظاهر أنها
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»