تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٥٣
عن الرسول، فيكون التولي مجازا.
* (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) *: قرأ ابن مسعود وابن مصرف: هل يصيبنا مكان لن يصيبنا. وقرأ ابن مصرف أيضا وأعين قاضي الري: هل يصيبنا بتشديد الياء، وهو مضارع فيعل نحو: بيطر، لا مضارع فعل، إذ لو كان كذلك لكان صوب مضاعف العين. قالوا: صوب رأيه لما بناه على فعل، لأنه من ذوات الواو. وقالوا: صاب يصوب ومصاوب جمع مصيبة، وبعض العرب يقول: صاب السهم يصيب، جعله من ذوات الياء، فعلى هذا يجوز أن يكون يصيبنا مضارع صيب على وزن فعل، والصيب يحتمل أن يكون كسيدوكلين. وقال عمرو بن شقيق: سمعت أعين قاضي الري يقول: قل لن يصيبنا بتشديد النون. قال أبو حاتم: ولا يجوز ذلك، لأن النون لا تدخل مع لن، ولو كانت لطلحة بن مصرف الحارث، لأنها مع هل. قال تعالى: * (هل يذهبن كيده ما يغيظ) * انتهى. ووجه هذه القراءة تشبيه لن بلا وبلم، وقد سمع لحاق هذه النون بلا وبلم، فلما شاركتهما لن في النفي لحقت معها نون التوكيد، وهذا توجيه شذوذ. أي: ما أصابنا فليس منكم ولا بكم، بل الله هو الذي أصابنا وكتب أي: في اللوح المحفوظ أو في القرآن من الوعد بالنصر، ومضاعفة الأجر على المصيبة، أو ما قضى وحكم ثلاثة أقوال: هو مولانا، أي ناصرنا وحافظنا قاله الجمهور. وقال الكلبي: أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل: مالكنا وسيدنا، فلهذا يتصرف كيف شاء. فيجب الرضا بما يصدر من جهته. وقال ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا، وأن الكافرين لا مولى لهم، فهو مولانا الذي يتولانا ونتولاه.
* (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا) *: أي ما ينتظرون بنا إلا إحدى العاقبتين، كل واحدة منهما هي الحسنى من العواقب: إما النصرة، وإما الشهادة. فالنصرة مآلها إلى الغلبة والاستيلاء، والشهادة مآلها إلى الجنة. وقال ابن عباس: إن الحسينيين الغنيمة والشهادة. وقيل: الأجر والغنيمة. وقيل: الشهادة والمغفرة. وفي الحديث: (تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله، وتصديق كلمته أن يدخل الجنة، أو رجعه إلى مسكنه الذي خرج منه مع ما نال من أجر وغنيمة، والعذاب من عند الله) قال ابن عباس: هو هنا الصواعق. وقال ابن جريج: الموت. وقيل: قارعة من السماء تهلكهم كما نزلت على عاد وثمود. قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون توعدا بعذاب الآخرة، أو بأيدينا بالقتل على الكفر. فتربصوا مواعيد الشيطان إنا معكم متربصون إظهار دينه واستئصال من خالفه، قاله الحسن. وقال الزمخشري: فتربصوا بنا ما ذكرنا من عواقبنا أنا معكم متربصون ما هو عاقبتكم، فلا بد أن نلقى كلنا ما نتربصه لا نتجاوزه انتهى. وهو أمر يتضمن التهديد والوعيد. وقرأ ابن محيصن الأحدي: بإسقاط الهمزة. قال ابن عطية: فوصل ألف إحدى وهذه لغة وليست بالقياس، وهذا نحو قول الشاعر:
يابا المغيرة رب أمر معضل ونحو قول الآخر:
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»