وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورجوعهم عنه في أحد وغيرها. وتقليب الأمور: هو تدبيرها ظهر البطن، والنظر في نواحيها وأقسامها، والسعي بكل حيلة. وقيل: طلب المكيدة من قولهم: هو حول قلب. وقرأ مسلمة بن محارب: وقلبوا بتخفيف اللام. حتى جاء الحق أي: القرآن وشريعة الرسول صلى الله عليه وسلم). ولفظة جاء مشعرة بأنه كان قد ذهب. وظهر أمر الله وصفه بالظهور لأنه كان كالمستور أي: غلب وعلا دين الله. وهم كارهون لمجيء الحق وظهور دين الله. وفي ذلك تنبيه على أنه لا تأثير لمكرهم وكيدهم، ومبالغتهم في إثارة الشر فإنهم مذ راموا ذلك رده الله في نحرهم، وقلب مرادهم، وأتى بضد مقصودهم، فكما كان ذلك في الماضي كذا يكون في المستقبل.
* (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) *: نزلت في الجد بن قيس، وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) لما أمر بالغزو إلى بلاد الروم حرض الناس فقال للجد بن قيس: (هل لك العام في جلاد بني الأصفر) وقال له وللناس: (اغزوا تغنموا بنات الأصفر). فقال الجد: ائذن لي في التخلف ولا تفتني بذكربنات الأصفر، فقد علم قومي أني لا أتمالك عن النساء إذا رأيتهم وتفتنني، ولا تفتني بالنساء. هو قول ابن عباس ومجاهد وابن زيد. وقيل: ولا تفتني أي ولا تصعب علي حتى احتاج إلى مواقعة معصيتك فسهل علي، ودعني غير مختلج. وقال قريبا منه الحسن وقتادة والزجاج قالوا: لا تكسبني الإثم بأمرك إياي بالخروج وهو غير متيسر لي، فآثم بمخالفتك. وقال الضحاك: لا تكفرني بإلزامك الخروج معك. وقال ابن بحر: لا تصرفني عن شغلي معك هلك مالي وعيالي. وقيل: إنه قال: ولكن أعينك بمالي. ومتعلق الإذن محذوف تقديره: في القعود وفي مجاورته الرسول صلى الله عليه وسلم) على نفاقه. وقرأ ورش: بتخفيف همزة إئذن لي بإبدالها واوا لضمة ما قبلها. وقال النحاس ما معناه: إذا دخلت الواو أو الفاء على أأئذن، فهجاؤها في الخط ألف وذال ونون بغير ياء، أو ثم فالهجاء ألف وياء وذال ونون، والفرق أن ثم يوقف عليها وتنفصل بخلافهما. وقرأ عيسى بن عمرو: لا تفتني بضم التاء الأولى من أفتن. قال أبو حاتم هي لغة تميم، وهي أيضا قراءة ابن السميقع، ونسبها ابن مجاهد إلى إسماعيل المكي. وجمع الشاعر بين اللغتين فقال:
* لئن فتنتني فهي بالأمس أفتنت * سعيدا فأمسى قد قلا كل مسلم * والفتنة التي سقطوا فيها هي فتنة التخلف، وظهور كفرهم، ونفاقهم. ولفظة سقطوا تنبىء عن تمكن وقوعهم فيها. وقال قتادة: الإثم بخلافهم الرسول في أمره، وإحاطة جهنم بهم إما يوم القيامة، أو الآن على سبيل المجاز. لأن أسباب الإحاطة معهم فكأنهم في وسطها، أو لأن مصيرهم إليها.
* (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون) *: قال ابن عباس: الحسنة في يوم بدر، والمصيبة يوم أحد. وينبغي أن يحمل قوله على التمثيل، واللفظ عام في كل محبوب ومكروه، وسياق الحمل يقتضي أن يكون ذلك في الغزو، ولذلك قالوا: الحسنة الظفر والغنيمة، والمصيبة الخيبة والهزيمة، مثل ما جرى في أول غزوة أحد. ومعنى أمرنا الذي نحن متسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم في التخلف عن الغزو، من قبل ما وقع من المصيبة. ويحتمل أن يكون التولي حقيقة أي: ويتولوا عن مقام التحديث بذلك، والاجتماع له إلى أهليهم وهم مسرورون. وقيل: أعرضوا عن الإيمان. وقيل: