أبو البقاء: ويجوز أن يكون من في موضع رفع على الابتداء، وفأتبعه الخبر. وجاز دخول الفاء من أجل أن من بمعنى الذي، أو شرط انتهى. والاستراق افتعال من السرقة، وهي أخذ الشيء بخفية، وهو أن يخطف الكلام خطفة يسيرة. والسمع المسموع، ومعنى مبين: ظاهر للمبصرين.
* (والارض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شىء موزون * وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين * وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم * وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السمآء ماء فأسقيناكموه ومآ أنتم له بخازنين * وإنا لنحن نحى ونميت ونحن الوارثون * ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستخرين * وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) *: مددناها بسطناها ليحصل بها الانتفاع لمن حلها. قال الحسن: أخذ الله طينة فقال لها: انبسطي فانبسطت. وقيل: بسطت من تحت الكعبة. ولما كانت هذه الجملة بعدها جملة فعلية، كان النصب على الاشتغال أرجح من الرفع على الابتداء، فلذلك نصب والأرض. والرواسي: الجبال، وفي الحديث: (إن الأرض كانت تتكفأ بأهلها كما تتكفأ السفينة فثبتها الله بالجبال) ومن في من كل للتبعيض، وعند الأخفش هي زائدة أي كل شيء. والظاهر أن الضمير في فيها يعود على الأرض الممدودة، وقيل: يعود على الجبال، وقيل: عليها وعلى الأرض معا. قال ابن عباس، وابن جبير: موزون مقدر بقدر. وقال الزمخشري قريبا منه قال: وزن بميزان الحكمة، وقدر بمقدار يقتضيه لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان. وقال ابن عطية: قال الجمهور: معناه مقدر محرر بقصد وإرادة، فالوزن على هذا مستعار. وقال ابن زيد: المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والفضة، وغير ذلك مما يوزن. وقال قتادة: موزون مقسوم. وقال مجاهد: معدود، وقال الزمخشري: أوله وزن وقدر في أبواب النعمة والمنفعة. وبسطه غيره فقال: ما له منزلة، كما تقول: ليس له وزن أي: قدر ومنزلة. ويقال: هذا كلام موزون، أي منظوم غير منتثر. فعلى هذا أي: أنبتنا فيها، ما يوزن من الجواهر والمعادن والحيوان. وقال تعالى: * (وأنبتها نباتا حسنا) * والمقصود بالإنبات الإنشاء والإيجاد.
وقرأ الأعرج وخارجة عن نافع: معائش بالهمز. قال ابن عطية: والوجه ترك الهمز، وعلل ذلك بما هو معروف في النحو. وقال الزمخشري: معايش بياء صريحة بخلاف الشمائل والخبائث، فإن تصريح الياء فيها خطأ، والصواب الهمزة، أو إخراج الياء بين بين. وتقدم تفسير المعايش أول الأعراف والظاهر أن من لمن يعقل ويراد به العيال والمماليك والخدم الذين يحسبون أنهم يرزقونهم ويخطئون، فإن الله هو الرزاق يرزقكم وإياهم. وقال معناه الفراء، ويدخل معهم ما لا يعقل بحكم التغليب كالأنعام والدواب، وما بتلك المثابة مما الله رازقه، وقد سبق إلى ظنهم أنهم الرازقون، وقال معناه الزجاج. وقال مجاهد: الدواب والأنعام والبهائم. وقيل: الوحوش والسباع والطير. فعلى هذين القولين يكون من لما لا يعقل. والظاهر أن من في موضع جر عطفا على الضمير المجرور في لكم، وهو مذهب الكوفيين ويونس والأخفش. وقد استدل القائل على صحة هذا المذهب في البقرة في قوله: * (وكفر به والمسجد الحرام) * وقال الزجاج: من منصوب بفعل محذوف تقديره: وأعشنا من لستم أي: أمما غيركم، لأن المعنى أعشناكم. وقيل: عطفا على معايش أي: وجعلنا لكم من لستم له برازقين من العبيد والصناع. وقيل: والحيوان. وقيل: عطفا على محل لكم. وقيل: من مبتدأ خبره محذوف لدلالة المعنى عليه أي: ومن لستم له برازقين جعلنا له فيها معايش. وهذا لا بأس به، فقد أجازوا ضربت زيدا وعمرو بالرفع على الابتداء أي: وعمرو ضربته، فحذف الخبر لدلالة ما قبله عليه. وتقدم شرح الخزائن. وإن نافية، ومن زائدة، والظاهر أن المعنى: وما من شيء ينتفع به العباد إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه والأنعام به، فتكون الخزائن وهي ما يحفظ فيه الأشياء مستعارة من المحسوس الذي هو الجسم إلى المعقول. وقال قوم: المراد الخزائن حقيقة، وهي التي تحفظ