العرب: سكرت في مجاري الماء إذا طمست، وصرفت المائ فلم ينفذ لوجهه. فإن كان من سكر الشراب، أو من سكر الريح، فالتضعيف للتعدية. أو من سكر مجاري الماء فللتكثير، لأن مخففة متعد. وأما سكرت بالتخفيف فإن كان من سكر الماء ففعله متعد، أو من سكر الشراب أو الريح فيكون من باب وجع زيد ووجعه غيره، فتقول: سكر الرجل وسكره غيره، وسكرت الريح وسكرها غيرها، كما جاء سعد زيد وسعده غيره. ولخص الزمخشري في هذا فقال: وسكرت خيرت أو حبست من السكر، أو السكر. وقرئ بالتخفيف أي: حبست كما يحبس النهر عن الجري انتهى. وقرأ أبان بن ثعلب: سحرت أبصارنا. ويجيء قوله: بل نحن قوم مسحورون، انتقالا إلى درجة عظمى من سحر العقل. وينبغي أن تجعل هذه القراءة تفسير معنى لا تلاوة، لمخالفتها سواد المصحف. وجاء جواب ولو، قوله: لقالوا أي أنهم يشاهدون ما يشاهدون، ولا يشكون في رؤية المحسوس، ولكنهم يقولون ما لا يعتقدون مواطأة على العناد، ودفع الحجة، ومكابرة وإيثارا للغلبة كما قال تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) *.
* (ولقد جعلنا فى السماء بروجا وزيناها للناظرين * وحفظناها من كل شيطان رجيم * إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين) *: لما ذكر حال منكري النبوة وكانت مفرعة على التوحيد، ذكر دلائله السماوية، وبدأ بها ثم أتبعها بالدلائل الأرضية. وقال ابن عطية: لما ذكر تعالى أنهم لو رأوا الآية المذكورة في السماء لعاندوا فيها، عقب ذلك بهذه الآية كأنه قال: وإن في السماء لعبرا منصوبة عبر عن هذه المذكورة، وكفرهم بها، وإعراضهم عنها إصرار منهم وعتو انتهى. والظاهر أن جعلنا بمعنى خلقنا، وفي السماء متعلق بجعلنا. ويحتمل أن يكون بمعنى صيرنا، وفي السماء المفعول الثاني، فيتعلق بمحذوف. والبروج جمع برج، وتقدم شرحه لغة. قال الحسن وقتادة: هي النجوم. وقال أبو صالح: الكواكب السيارة. وقال علي بن عيسر: اثنا عشر برجا الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، وهي منازل الشمس والقمر. وقال ابن عطية: قصور في السماء فيها الحرس، وهي المذكورة في قوله: * (ملئت حرسا شديدا وشهبا) * وقيل: الفلك اثنا عشر برجا، كل برج ميلان ونصف. والظاهر أن الضمير في وزيناها عائد على البروج لأنها المحدث عنها، والأقرب في اللفظ. وقيل: على السماء، وهو قول الجمهور. وخص بالناظرين لأنها من المحسوسات التي لا تدرك إلا بنظر العين. ويجوز أن يكون من نظر القلب لما فيها من الزينة المعنوية، وهو ما فيها من حسن الحكم وبدائع الصنع وغرائب القدرة. والضمير في حفظناها عائد على السماء، ولذلك قال الجمهور: إن الضمير في وزيناها عائد على السماء حتى لا تختلف الضمائر، وحفظ السماء هو بالرجم بالشهب على ما تضمنته الأحاديث الصحاح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (إن الشياطين تقرب من السماء أفواجا فينفرد المارد منها فيستمع، فيرمي بالشهاب فيقول لأصحابه. وهو يلتهب: إنه الأمر كذا وكذا، فتزيد الشياطين في ذلك ويلقون إلى الكهنة فيزيدون على الكلمة مائة كلمة) ونحو هذا الحديث. وقال ابن عباس: إن الشهب تخرج وتؤذي، ولا تقتل. وقال الحسن: تقتل. وفي الأحاديث ما يدل على أن الرجم كان في الجاهلية ولكنه اشتد في وقت الإسلام. وحفظت السماء حفظا تاما. وعن ابن عباس: كانوا لا يحجبون عن السماوات، فلما ولد عيسى منعوا من ثلاث سماوات، فلما ولد محمد صلى الله عليه وسلم) منعوا من السمموات كلها. والظاهر أن قوله: إلا من استرق، استثناء متصل والمعنى: فإنها لم تحفظ منه، ذكره الزهراوي وغيره والمعنى: أنه سمع من خبرها شيئا وألقاه إلى الشياطين. وقيل: هو استثناء منقطع والمعنى: أنها حفظت منه، وعلى كلا التقديرين فمن في موضع نصب. وقال الحوفي: من بدل من كل شيطان، وكذا قال أبو البقاء: حر على البدل أي: إلا ممن استرق السمع. وهذا الإعراب غير سائغ، لأن ما قبله موجب، فلا يمكن التفريغ، فلا يكون بدلا، لكنه يجوز أن يكون إلا من استرق نعتا على خلاف في ذلك. وقال