تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٣٩
فيها الأشياء، وأن للريح مكانا، وللمطر مكانا، ولكل مكان ملك وحفظه، فإذا أمر الله بإخراج شيء منه أخرجته الحفظة. وقيل: المراد بالشيء هنا المطر، قاله ابن جريج.
وقرأ الأعمش: وما نرسله مكان وما ننزله، والإرسال أعم، وهي قراءة تفسير معنى لا أنها لفظ قرآن، لمخالفتها سواد المصحف. وعن ابن عباس، والحكم بن عيينة: أنه ليس عام أكثر مطرا من عام، ولكن الله تعالى ينزله في مواضع دون مواضع. ولواقح جمع لاقح، يقال: ريح لاقح جائيات بخير من إنشاء سحاب ماطر، كما قيل للتي لا تأتي بخير بل بشر ريح عقيم، أو ملاقح أي: حاملات للمطر. وفي صحيح البخاري: لواقح ملاقح ملقحة. وقال عبيد بن عمير: يرسل الله المبشرة تقم الأرض قمائم المثيرة، فتثير السحاب. ثم المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر. ومن قرأ بإفراد الريح فعلى تأويل الجنس كما قالوا: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض، وسقى وأسقى قد يكونان بمعنى واحد. وقال أبو عبيدة: من سقى الشفة سقى فقط، أو الأرض والثمار أسقى، وللداعي لأرض وغيرها بالسقيا أسقى فقط. وقال الأزهري: العرب تقول لكل ما كان من بطون الأنعام، ومن السماء، أو نهر يجري: أسقيته، أي جعلته شربا له، وجعلت له منه مسقى. فإذا كان للشفة قالوا: سقى، ولم يقولوا أسقى. وقال أبو علي: سقيته حتى روي، وأسقيته نهرا جعلته شربا له. وجاء الضمير هنا متصلا بعد ضمير متصل كما تقدم في قوله: * (أنلزمكموها) * وتقدم أن مذهب سيبويه فيه وجوب الاتصال. وما أنتم له بخازنين أي: بقادرين على إيجاده، تنبيها على عظيم قدرته، وإظهار العجز. هم أي: لستم بقادرين عليه حين احتياجكم إليه. وقال سفيان: بخازنين أي بمانعين المطر. نحيي: نخرجه من العدم الصرف إلى الحياة. ونميت: نزيل حياته. ونحن الوارثون الباقون بعد فناء الخلق. والمستقدمين قال ابن عباس والضحاك: الأموات، والمستأخرين الأحياء. وقال قتادة وعكرمة وغيرهما: المستقدمين في الخلق والمستأخرين الذين لم يخلقوا بعد. وقال مجاهد: المستقدمين من الأمم والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم). وقال الحسن وقتادة أيضا: في الطاعة والخبر، والمستأخرين بالمعصية والشر. وقال ابن جبير: في صفوف الحرب، والمستأخرين فيه. وقيل: من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل. وقيل: في صفوف الصلاة، والمستأخرين بسبب النساء لينظروا إليهن. وقال قتادة أيضا: السابقين إلى الإسلام والمتقاعسين عنه. والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر، والمعنى: أنه تعالى محيط علمه بمن تقدم وبمن تأخر وبأحوالهم، ثم أعلم تعالى أنه يحشرهم. وقرأ الأعمش: يحشرهم بكسر الشين. وقال ابن عباس ومروان بن الحكم، وأبو الحوراء: كانت تصلي وراء الرسول امرأة جميلة، فبعض يتقدم لئلا تفتنه وبعض يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم. وفصل هذه الآية بهاتين الصفتين من الحكمة والعلم في غاية المناسبة.
(* (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون * والجآن خلقناه من قبل من نار السموم * وإذ قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون * فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين * فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين * قال ياإبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين * قال لم أكن لاسجد لبشر
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»