تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٤٢٩
وقرأ الجمهور: وتغشى وجوههم بالنصب، وقرئ بالرفع، فالأول على نحو قوله: * (واليل إذا يغشى) * فهي على حقيقة الغشيان، والثانية على التجوز، جعل ورود الوجه على النار غشيانا. وقرئ: وتغشى وجوههم بمعنى تتغشى، وخص الوجوه هنا. وفي قوله: * (أفمن يتقى بوجهه سوء العذاب يوم القيامة * ويوم * يسحبون فى النار على وجوههم) * لأن الوجه أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه كالقلب في باطنه، ولذلك قال: * (تطلع على الافئدة) *. وليجزي متعلق بمحذوف تقديره: يفعل بالمجرمين ما يفعل، ليجزي كل نفس أي: مجرمة بما كسبت، أو كل نفس من مجرمة ومطيعة: لأنه إذا عاقبت المجرمين لإجرامهم علم أنه يثيب المطيعين لطاعتهم، قاله الزمخشري. ويظهر أنها تتعلق بقوله: وبرزوا أي: الخلق كلهم، ويكون كل نفس عاما أي: مطيعة ومجرمة، والجملة من قوله: وترى، معترضة. وقال ابن عطية: اللام متعلقة بفعل مضمر تقديره: فعل هذا، أو أنفذ هذا العقاب على المجرمين ليجزي في ذلك المسئ على إساءته انتهى. والإشارة بهذا إلى ما ذكر به تعالى من قوله: * (ولا تحسبن الله غافلا) * إلى قوله: * (سريع الحساب) * وقيل: الإشارة إلى القرآن، وقيل: إلى السورة. ومعنى بلاغ كفاية في الوعظ والتذكير، ولينذروا به. قال الماوردي: الواو زائدة، وعن المبرد: هو عطف مفرد أي: هذا بلاغ وإنذار انتهى. وهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب. وقيل: هو محمول على المعنى أي: ليبلغوا ولينذروا. وقيل: اللام لام الأمر. قال بعضهم: وهو حسن لولا قوله: وليذكر، فإنه منصوب لا غير انتعهى. ولا يخدش ذلك، إذ يكون وليذكر ليس معطوفا على الأمر، بل يضمر له فعل يتعلق به. وقال ابن عطية: المعنى هذا بلاغ للناس، وهو لينذروا به انتهى. فجعله في موضع رفع خبرا لهو المحذوفة. وقال الزمخشري: ولينذروا معطوف على محذوف أي: لينصحوا ولينذروا به بهذا البلاغ انتهى. وقرأ مجاهد، وحميدا بتاء مضمومة وكسر الذال، كان البلاغ العموم، والإنذار للمخاطبين. وقرأ يحيى بن عمارة: الذراع عن أبيه، وأحمد بن زيد بن أسيد السلمي: ولينذروا بفتح الياء والذال، مضارع نذر بالشيء إذا علم به فاستعد له. قالوا: ولم يعرف لهذا الفعل مصدر، فهو مثل عسى وغيره مما استعمل من الأفعال ولم يعرف له أصل. وليعلموا لأنهم إذا خافوا ما أنذروا به دعاهم ذلك إلى النظر، فيتوصلون إلى توحيد الله وإفراده بالعبادة، إذ الخشية أصل الخير. وليذكر أي: يتعظ ويراجع نفسه بما سمع من المواعظ. وأسند التذكر والاتعاظ إلى من له لب، لأنهم هم الذين يجدي فيهم التذكر. وقيل: هي في أبي بكر الصديق. وناسب مختتم هذه السورة مفتتحها، وكثيرا ما جاء في سور القرآن، حتى أن بعضهم زعم أن قوله: ولينذروا به معطوف على قوله: لتخرج الناس.
(٤٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 424 425 426 427 428 429 430 431 432 433 434 ... » »»