تعالى: * (والعاقبة للمتقين) *. ومقام يحتمل المصدر والمكان. فقال الفراء: مقامي مصدر أضيف إلى الفاعل أي: قيامي عليه بالحفظ لأعماله، ومراقبتي إياه لقوله: * (أفمن هو قائم على * نفس بما كسبت) *. وقال الزجاج: مكان وقوفه بين يدي للحساب، وهو موقف الله الذي يقف فيه عباده يوم القيامة كقوله تعالى: * (ولمن خاف مقام ربه جنتان) * وعلى إقحام المقام أي لمن خافني. والظاهر أن الضمير في واستفتحوا عائد على الأنبياء: أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله: * (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) * ويجوز أن يكون الفتاحة وهي الحكومة، أي: استحكموا الله طلبوا منه القضاء بينهم. واستنصار الرسل في القرآن كثير كقول نوح: * (فافتح بينى وبينهم فتحا ونجنى) * وقول لوط: * (رب نجنى وأهلى مما يعملون) * وقول شعيب: * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * وقول موسى: * (ربنا إنك ءاتيت فرعون) * الآية. وقول ابن زيد: الضمير عائد على الكفار أي: واستفتح الكفار على نحو ما قالت قريش: * (عجل لنا قطنا) * وقول أبي جهل: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداة. وكأنهم لما قوي تكذيبهم وأذاهم ولم يعاجلوا بالعقوبة، ظنوا أن ما جاؤوا به باطل فاستفتحوا على سبيل التهكم والاستهزاء كقول قوم نوح: * (فأتنا بما تعدنا) * وقوم شعيب: * (فأسقط علينا كسفا) * وعاد: * (وما نحن بمعذبين) * وبعض قريش: * (فأمطر علينا حجارة) *. وقيل: الضمير عائد على الفريقين: الأنبياء، ومكذبيهم، لأنهم كانوا كلهم سألوا أن ينصر المحق ويبطل المبطل. ويقوي عود الضمير على الرسل خاصة قراءة ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن: واستفتحوا بكسر التاء، أمرا للرسل معطوفا على ليهلكن أي: أوحى إليهم ربهم وقال لهم: ليهلكن، وقال لهم: استفتحوا أي: اطلبوا النصر وسلوه من ربكم. وقال الزمخشري: ويحتمل أن يكون أهل مكة قد استفتحوا أي استمطروا، والفتح المطر في سني القحط التي أرسلت عليهم بدعوة الرسول فلم يسقوا، فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد، وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء آخر وهو صديد أهل النار. واستفتحوا على هذا التفسير كلام مستأنف منقطع عن حديث الرسل وأممهم انتهى. وخاب معطوف على محذوف تقديره: فنصروا وظفروا. وخاب كل جبار عنيد وهم قوم الرسل، وتقدم شرح جبار. والعنيد: المعاند كالخليط بمعنى المخالط على قول من جعل الضمير عائدا على الكفار، كأن وخاب عطفا على واستفتحوا. ومن ورائه قال أبو عبيدة وابن الأنباري أي: من بعده. وقال الشاعر:
* حلفت فلم أترك لنفسك ريبة * وليس وراء الله للمرء مهرب * وقال أبو عبيدة أيضا، وقطرب، والطبري، وجماعة: ومن ورائه أي ومن أمامه، وهو معنى قول الزمخشري: من بين يديه. وأنشد:
* عسى الكرب الذي أمسيت فيه * يكون وراء فرج قريب *