وهذا وصف حاله في الدنيا، لأنه مرصد لجهنم، فكأنها بين يديه وهو على شفيرها، أو وصف حاله في الآخرة حين يبعث ويوقف. وقال الشاعر:
* أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي * وقوم تميم والفلاة ورائيا * وقال آخر:
* أليس ورائي إن تراخت منيتي * لزوم العصا نحني عليها الأصابع * ووراء من الأضداد قاله: أبو عبيدة والأزهري. وقيل: ليس من الأضداد. وقال ثعلب: اسم لما توارى عنك، سواء كان أمامك أم خلفك. وقيل: بمعنى من خلفه أي: في طلبه كما تقول الأمر من ورائك أي: سوف يأتيك. ويسقى معطوف على محذوف تقديره: يلقى فيها ويسقى، أو معطوف على العامل في من ورائه، وهو واقع موقع الصفة. وارتفاع جهنم على الفاعلية، والظاهر إرادة حقيقة الماء. وصديد قال ابن عطية: هو نعت لماء، كما تقول: هذا خاتم حديد وليس بماء، لكنه لما كان بدل الماء في العرف عندنا يعني أطلق عليه ماء. وقيل: هو نعت على إسقاط أداة التشبيه كما تقول: مررت برجل أسد التقدير: مثل صديد. فعلى قول ابن عطية هو نفس الصديد وليس بماء حقيقة، وعلى هذا القول لا يكون صديدا ولكنه ما يشبه بالصديد. وقال الزمخشري: صديد عطف بيان لماء قال: ويسقى من ماء، فأبهمه إبهاما، ثم بينه بقوله: صديد انتهى. والبصريون لا يجيزون عطف البيان في النكرات، وأجازه الكوفيون وتبعهم الفارسي، فأعرب * (زيتونة) * عطف بيان * (ليلة مباركة) * فعلى رأي لبصريين لا يجوز أن يكون قوله: صديد، عطف بيان. وقال الحوفي: صديد نعت لماء. وقال مجاهد، وقتادة، والضحاك: هو ما يسيل من أجساد أهل النار. وقال محمد بن كعب والربيع: هو غسالة أهل النار في النار. وقيل: هو ما يسيل من فروج الزناة والزواني. وقيل: صديد بمعنى مصدود عنه أي: لكراهته يصد عنه، فيكون مأخوذا عنه من الصد. وذكر ابن المبارك من حديث أبي أمامة عن الرسول قاله في قوله: * (ويسقى من ماء صديد * يتجرعه) * قال: (يقرب إليه فيتكرهه، فإذا أدنى منه شوي وجهه ووقعت فروة رأسه، وإذا شربه قطع أمعاءه حتى يخرج من دبره) يتجرعه يتكلف جرعه. ولا يكاد يسيغه أي: ولا يقارب أن يسيغه، فكيف تكون الإساغة. والظاهر هنا انتفاء مقاربة إساغته إياه، وإذا انتفت انتفت الإساغة، فيكون كقوله: * (لم يكد يراها) * أي لم يقرب من رؤيتها فكيف يراها؟ والحديث: (جاءنا ثم يشربه) فإن صح الحديث كان المعنى: ولا يكاد يسيغه قبل أن يشربه ثم شربه، كما جاء * (فذبحوها وما كادوا يفعلون) * أي وما كادوا يفعلون قبل الذبح. وتجرع تفعل، ويحتمل هنا وجوها أن يكون للمطاوعة أي جرعة فتجرع كقولك: علمته فتعلم. وأن يكون للتكلف نحو: تحلم، وأن يكون لمواصلة