الذال مبنيا للفاعل أي: وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما قالوا عن الله من العذاب والظن على بابه. وجواب إذ جاءهم نصرنا، والظاهر أن الضمير في جاءهم عائد على الرسل. وقيل: عائد عليهم وعلى من آمن بهم. وقرأ عاصم، وابن عامر: فنجى بنون واحدة وشد الجيم وفتح الياء مبنيا للمفعول. وقرأ مجاهد، والحسن، والجحدري، وطلحة بن هرمز كذلك، إلا أنهم سكنوا الياء، وخرج على أنه مضارع أدغمت فيه النون في الجيم، وهذا ليس بشيء، لأنه لا تدغم النون في الجيم. وتخريجه على أنه ماض كالقراءة التي قبلها سكنت الياء فيه لغة من يستثقل الحركة صلة على الياء، كقراءة من قرأ * (ما تطعمون) * بسكون الياء. ورويت هذه القراءة عن الكسائي ونافع، وقرأهما في المشهور، وباقي السبعة فننجي بنونين مضارع أنجي. وقرأت فرقة: كذلك إلا أنهم فتحوا الياء. قال ابن عطية: رواها هبيرة عن حفص عن عاصم، وهي غلط من هبيرة انتهى. وليست غلطا، ولها وجه في العربية وهو أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار أن بعد الفاء، كقراءة من قرأ: * (الارض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر) * بنصب يغفر بإضمار أن بعد الفاء. ولا فرق في ذلك بين أن تكون أداة الشرط جازمة، أو غير جازمة. وقرأ نصر بن عاصم، والحسن، وأبو حيوة، وابن السميقع، ومجاهد، وعيسى، وابن محيصن: فنجى، جعلوه فعلا ماضيا مخفف الجيم. وقال أبو عمرو الداني: وقرأت لابن محيصن فنجى بشد الجيم فعلا ماضيا على معنى فنجى النصر. وذكر الداني أن المصاحف متفقة على كتبها بنون واحدة. وفي التحبير أن الحسن قرأ فنجى بنونين، الثانية مفتوحة، والجيم مشددة، والياء ساكنة. وقرأ أبو حيوة: من يشاء بالياء أي: فنجى من يشاء الله نجاته.
ومن يشا هم المؤمنون لقوله: ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين، والبأس هنا الهلاك. وقرأ الحسن: بأسه بضمير الغائب أي: بأس الله. وهذه الجملة فيها وعيد وتهديد لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلم).
* (لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الالباب ما كان حديثا * يفترى * ولاكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *: الضمير في قصصهم عائد على الرسل، أو على يوسف وأبويه وأخوته، أو عليهم وعلى الرسل ثلاثة أقوال.
الأول: اختاره الزمخشري قال: وينصره قراءة من قرأ قصصهم بكسر القاف انتهى. ولا ينصره إذ قصص يوسف وأبيه وأخوته مشتمل على قصص كثيرة وأنباء مختلفة. والذي قرأ بكسر القاف هو أحمد بن جبير الأنطاكي عن الكسائي، والقصبي عن عبد الوارث عن أبي عمر وجمع قصة. واختار ابن عطية الثالث، بل لم يذكره غيره. والعبرة الدلالة التي يعبر بها عن العلم. وإذا عاد الضمير على يوسف عليه السلام وأبويه وأخوته، فالاعتبار بقصصهم من وجوه إعزاز يوسف عليه السلام بعد إلقائه في الجب، وإعلاؤه بعد حبسه في السجن، وتملكه مصر بعد استعباده، واجتماعه مع والديه وأخوته على ما أحب بعد الفرقة الطويلة. والإخبار بهذا القصص إخبارا عن الغيب، والإعلام بالله تعالى من العلم والقدرة والتصرف في الأشياء على ما لا يخطر على بال ولا يجول في فكر. وإنما خص أولو الألباب لأنهم هم الذين ينتفعون بالعبر، ومن له لب وأجاد النظر، ورأى ما فيها من امتحان ولطف وإحسان، علم أنه أمر من الله تعالى، ومن عنده تعالى. والظاهر أن اسم كان مضمر يعود على القصص أي: ما كان القصص حديثا مختلفا، بل هو حديث صدق ناطق بالحق جاء به من لم يقرأ الكتب، ولا تتلمذ لأحد، ولا خالط العلماء، فمحال أن يفتري هذه القصة بحيث تطابق ما ورد في التوراة من غير تفاوت. وقيل: يعود على القرآن أي: ما كان القرآن الذي تضمن قصص يوسف عليه السلام وغيره حديثا يختلق، ولكن كان تصديق الكتب المتقدمة الإلهية، وتفصيل كل شيء واقع ليوسف مع أبويه وأخوته إن