تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٤٤
أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من ءاية فى السماوات والا رض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون * قل هاذه سبيلىأدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله ومآ أنا من المشركين * ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحىإليهم من أهل القرى أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الا خرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون * حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جآءهم نصرنا فنجى من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين * لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولاكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *)) ) * * (ذالك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت * إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون * وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من * إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من ءاية فى السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) * قال ابن الأنباري: سألت قريش واليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن قصة يوسف فنزلت مشروحة شرحا وافيا، وأمل أن يكون ذلك سببا لإسلامهم، فخالفوا تأميله، فعزاه الله تعالى بقوله: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين الآيات. وقيل: في المنافقين، وقيل: التوبة، وقيل: في النصارى. وقال ابن عباس: في تلبية المشركين. وقيل: في أهل الكتاب آمنوا ببعض وكفروا ببعض، فجمعوا بين الإيمان والشرك. والإشارة بذلك إلى ما قصه الله من قصة يوسف وإخوته. وما كنت لديهم أي: عند بني يعقوب حين أجمعوا أمرهم على أن يجعلوه في الجب، ولا حين ألقوه فيه، ولا حين التقطته السيارة، ولا حين بيع. وهم يمكرون أي يبغون الغوائل ليوسف، ويتشاورون فيما يفعلون به. أو يمكرون بيعقوب حين أتوا بالقميص ملطخا بالدم، وفي هذا تصريح لقريش بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم). وهذا النوع من علم البيان يسمى بالاحتجاج النظري، وبعضهم يسميه المذهب الكلامي، وهو أن يلزم الخصم ما هو لازم لهذا الاحتجاج، وتقدم نظير ذلك في آل عمران، وفي هود. وهذا تهكم بقريش وبمن كذبه، لأنه لا يخفى على أحد أنه لم يكن من حملة هذا الحديث وأشباهه، ولا لقي فيها أحدا ولا سمع منه، ولم يكن من علم قومه، فإذا أخبر به وقصه هذا القصص الذي أعجز حملته ورواته لم تقع شبهة في أنه ليس منه، وإنما هو من جهة القرون الخالية ونحوه * (وما كنت بجانب الغربى إذ قضينا إلى موسى الامر) *. فقوله: وما كنت، هنا تهكم بهم، لأنه قد علم كل أحد أن محمدا صلى الله عليه وسلم) ما كان معهم. وأجمعوا أمرهم أي: عزموا على إلقاء يوسف في الجب، وهم يمكرون جملة حالية. والمكر: أن يدبر على الإنسان تدبيرا يضره ويؤذيه والناس، الظاهر العموم لقوله: ولكن أكثر الناس لا يؤمنون. وعن ابن عباس: أنهم أهل مكة. ولو حرصت: ولو بالغت في طلب إيمانهم لا يؤمنون لفرط عنادهم وتصميمهم على الكفر. وجواب لو محذوف أي: ولو حرصت لم يؤمنوا، إنما يؤمن من يشاء الله إيمانه. والضمير في عليه عائد على دين الله أي: ما تبتغي عليه أجرا على دين الله، وقيل: على القرآن، وقيل: على التبليغ، وقيل: على الأنباء بمعنى القول. وفيه توبيخ للكفرة، وإقامة الحجة عليهم. أو وما تسألهم على ما تحدثهم به وتذكرهم أن ينيلوك منفعة وجدوى، كما يعطي جملة الأحاديث والأخبار إن هو إلا موعظة وذكر من الله للعالمين عامة، وحث على طلب النجاة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم).
ا وقرأ بشر بن عبيد: وما نسألهم بالنون. ثم أخبر تعالى أنهم لفرط كفرهم يمرون على الآيات التي تكون سببا للإيمان ولا تؤثر فيهم، وأن تلك الآيات هي في العالم العلوي وفي العالم السفلي وتقدم قراءة ابن كثير وكأين. قال ابن عطية وهو اسم فاعل من كان فهو كائن ومعناها معنى كم في التكثير انتهى. وهذا شيء يروي عن يونس، وهو قول مرجوح في النحو. والمشهور عندهم أنه مركب من كاف التشبيه ومن أي، وتلاعبت العرب به فجاءت به لغات. وذكر صاحب اللوامح أن الحسن قرأ وكي بياء مكسورة من غير هم ولا ألف ولا تشديد، وجاء كذلك عن ابن محيصن، فهي لغة انتهى. من آية علامة على توحيد الله وصفاته، وصدق ما جيء به عنه. وقرأ عكرمة وعمرو بن قائد: والأرض بالرفع على الابتداء، وما بعده خبر. ومعنى يمرون عليها فيشاهدون ما فيها من الآيات. وقرأ السدي: والأرض بالنصب، وهو من باب الاشتغال أي: ويطوون الأرض يمرون عليها على آياتها، وما أودع فيها من الدلالات.
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»