والتوبيخ، ومراده تعظيم الواقعة أي: ما أعظم ما ارتكبتم من يوسف. كما يقال: هل تدري من عصيت؟ وقيل: هل بمعنى قد، لأنهم كانوا عالمين، وفعلتم بيوسف إفراده من أبيهم، وقولهم: بأن الذئب أكله، وإلقاؤه في الجب وبيعه بثمن بخس إن كانوا هم الذين باعوه، وقولهم: إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل، والذي فعلوا بأخيه أذاهم له وجفاؤهم له، واتهامه بسرقة الصاع، وتصريحهم بأنه سرق، ولم يذكر لهم ما إذ واجه أباهم تعظيما لقدره وتفخيما لشأنه أن يذكره مع نفسه وأخيه. قال ابن عباس، والحسن: جاهلون صبيان. وقال مقاتل: مذنبون. وقيل: جاهلون بما يجب من بر الأب، وصلة الرحم، وترك الهوى. وقيل: جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف. وقيل: جاهلون بالفكر في العاقبة، وعدم النظر إلى المصلحة. وقال المفسرون: وغرض يوسف توبيخ أخوته وتأنيبهم على ما فعلوا في حق أبيهم وفي حق أخويهم، قال: والصحيح أنه قال ذلك تأنيسا لقلوبهم، وبسط عذر كأنه قال: إنما أقدمكم على ذلك الفعل القبيح جهالة الصبا أو الغرور، وكأنه لقنهم الحجة كقوله: * (ما * غرك بربك الكريم) * وما حكاه ابن الهيصم في قصة من أنه صلبهم، والثعلبي في حكايته أنه غضب عليهم فأمر بقتلهم فبكوا وجزعوا، فرق لهم وقال: هل علمتم الآية: لا يصح البتة، وكان يوسف من أرق خلق الله وأشفقهم على الأجانب، فكيف مع إخوته ولما اعترفوا بالخطأ قال: لا تثريب عليكم الآية.
* (قالوا * أءنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهاذا أخى قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع) *: لما خاطبهم بقوله: هل علمتم؟ أدركوا أنه لا يستفهم ملك لم ينشأ عندهم، ولا تتبع أحوالهم، وليس منهم فيما يظهر إلا وعنده علم بحالهم فيقال: إنه كان يكلمهم من وراء حجاب، فرفعه ووضع التاج وتبسم، وكان يضيء ما حوله من نور تبسمه أو رأوا لمعة بيضاء كالشامة في فرقه حين وضع التاج وكان مثلها لأبيه وجده وسارة، فتوسموا أنه يوسف، واستفهموه استفهام استخبار. وقيل: استفهام تقرير، لأنهم كانوا عرفوه بتلك العلامات التي سبق ذكرها.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): كيف عرفوه؟ (قلت): رأوا في روائه وشمائله حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو، مع علمهم بأن ما خاطبهم به لا يصدر إلا عن حنيف مسلم من نسل إبراهيم عليه السلام، لا عن بعض أعزاء مصر. وقرأ الجمهور: أئنك على الاستفهام، والخلاف في تحقيق الهمزتين، أو تليين الثانية وإدخال ألف في التلين، أو التحقيق مذكور في القراءات السبع. وقرأ قتادة، وابن محيصن، وابن كثير: إنك بغير همزة استفهام، والظاهر أنها مرادة. ويبعد حمله على الخبر المحض، وقد قاله بعضهم لتعارض الاستفهام والخبر إن اتحد القائلون في القول وهو الظاهر، فإن قدر أن بعضا استفهم وبعضا أخبر، ونسب في كل من القراءتين إلى المجموع قول بعضهم: أمكن، وهو مع ذلك بعيد. وقرأ أبي: أئنك أو أنت يوسف. وخرجه ابن جني على حذف خبر إن وقدره: أئنك لأنت يوسف، أو أنت يوسف. وقدره الزمخشري: أئنك يوسف، أو أنت يوسف، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه قال: وهذا كلام مستعجب مستغرب لما يسمع، فهو يكرر الاتسثبات انتهى. وحكى أبو عمرو الداني في قراءة أبي بن كعب قالوا: أو أنت يوسف؟ وفي قراءة الجمهور: أئنك لأنت، يجوز أن تكون اللام دخلت على أنت، وهو فصل: وخبر إن يوسف كما تقول: إن كان زيد لهو الفاضل. ويجوز أن تكون دخلت على أنت وهو مبتدأ، ويوسف خبره، والجملة في موضع خبر إن، ولا يجوز أن يكون أنت توكيدا للضمير الذي هو اسم إن لحيلولة اللام بينهما. ولما استفهموه أجابهم فقال: أنا يوسف كاشفا لهم أمره، وزادهم في الجواب قوله: وهذا أخي، لأنه سبق قوله: هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه؟ وكان في ذكر أخيه بيان لما سألوا عنه، وإن كان معلوما عندهم وتوطئه لما ذكر بعد من هو بالتقوى والصبر، والأحسن أن لا تخص التقوى بحالة ولا الصبر.