عن الظاهر. وإذا متمحضة للظرف وليس فيها معنى الشرط، فالعامل فيها محذوف يفسره ما يدل عليه الجملة الثانية وتقريره: أنبعث، أو أنحشر. أولئك إشارة إلى قائل تلك المقالة، وهو تقرير مصمم على إنكار البعث، فلذلك حكم عليهم بالكفر إذ عجزوا قدرته من إعادة ما أنشأ واخترع ابتداء. ولما حكم عليهم بالكفر في الدنيا ذكر ما يؤولون إليه في الآخرة على سبيل الوعيد، وأبرز ذلك في جملة مستقلة مشار إليهم. والظاهر أن الأغلال تكون حقيقة في أعناقهم كالأغلال، ثم ذكر ما يستقرون عليه في الآخرة، كما قال: إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل. وقيل: يحتمل أن يكون مجازا أي: هم مغلولون عن الإيمان، فتجري إذا مجرى الطبع والختم على القلوب كما قال تعالى: * (إنا جعلنا فى أعناقهم أغلالا) * وكما قال الشاعر:
لهم عن الرشد أغلال وأقياد وقيل: الأغلال هنا عبارة عن أعمالهم الفاسدة في أعناقهم كالأغلال، ثم ذكر ما يستقرون عليه في الآخرة، وأبرز ذلك في جملة مستقلة مشار إليهم رادة عليهم ما أنكروه من البعث، إذ لا يكون أصحاب النار إلا بعد الحشر. ولما كانوا متوعدين بالعذاب إن أصروا على الكفر، وكانوا مكذبين بما أنذروا به من العذاب، سألوا واستعجلوا في الطلب أن يأتيهم العذاب وذلك على سبيل الاستهزاء كما قالوا: * (فأمطر علينا حجارة) * وقالوا: * (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا) *.
قال ابن عباس: السيئة العذاب، والحسنة العافية. وقال قتادة: بالشر قبل الخير. وقيل: بالبلاء والعقوبة قبل الرخاء والعافية، وهذه الأقوال متقاربة. وقد خلت من قبلهم المثلات أي: يستعجلونك بالسيئة مع علمهم بما حل بغيرهم من مكذبي الرسل في الأمم السالفة، وهذا يدل على سخف عقولهم، هذ يستعجلون بالعذاب. والحالة هذه فلو أنه لم يسبق تعذيب أمثالهم لكانوا ربما يكون لهم عذر، ولكنهم لا يعتبرون فيستهزؤون. قال ابن عباس: المثلات العقوبات المستأصلات، كمثلات قطع الأنف والأذن ونحوهما. وقال السدي: النقمات. وقال قتادة: وقائع الله الفاضحة، كمسخ القردة والخنازير. وقال مجاهد: الأمثال المضروبة. وقرأ الجمهور: بفتح الميم، وضم التاء، ومجاهد والأعمش بفتحهما. وقرأ عيسى بن عمير وفي رواية الأعمش وأبو بكر: بضمهما، وابن وثاب: بضم الميم وسكون الثاء، وابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء. ولذو مغفرة للناس على ظلمهم ترجية للغفران، وعلى ظلمهم في موضع الحال والمعنى: أنه يغفر لهم مع ظلمهم أنفسهم. باكتساب الذنوب أي: ظالمين أنفسهم. قال ابن عباس: ليس في القرآن آية أرجى من هذه. وقال الطبري: ليغفر لهم في الآخرة. وقال القاسم بن يحيى وقوم: ليغفر لهم الظلم السالف بتوبتهم في الآنف. وقيل: ليغفر السيئات الصغيرة لمجتنب الكبائر. وقيل: ليغفر لهم بسترة وإمهاله، فلا يعجل لهم العذاب مع تعجيلهم بالمعصية. قال ابن عطية: والظاهر من معنى المغفرة هنا هو ستره في الدنيا، وإمهاله للكفرة. ألا ترى التيسير في لفظ مغفرة، وأنها منكرة مقلدة وليس فيها مبالغة كما في قوله تعالى: * (وإنى لغفار لمن تاب) * ومحط الآية يعطي هذا حكمه عليهم بالنار. ثم قال: ويستعجلونك، فلما ظهر سوء فعلهم وجب في نفس السامع تعذيبهم، فأخبر بسيرته في الأمم، وأنه يمهل مع ظلم الكفرة انتهى. ولشديد العقاب: تخويف وارتقاب بعد ترجية. وقال سعيد بن المسيب: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (لولا عفو الله ومغفرته لما هنأ لأحد عيش، ولولا عقابه لا تكل كل أحد) وفي حديث آخر: (إن