* (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) * مثلهم ومثل حالهم في طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) بالتكذيب بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم منبث في الآفاق، ونور الله هداه الصادر عن القرآن والشرع المنبث، فمن حيث سماه نورا سمى محاولة إفساده إطفاء. وقالت فرقة: النور القرآن وكنى بالأفواه عن قلة حيلتهم وضعفها. أخبر أنهم يحاولون أمرا جسيما بسعي ضعيف، فكان الإطفاء بنفخ الأفواه. ويحتمل أن يراد بأقوال لا برهان عليها، فهي لا تتجاوز الأفواه إلى فهم سامع، وناسب ذكر الإطفاء الأفواه. وقيل: إن الله لم يذكر قولا مقرونا بالأفواه والألسن إلا وهو زور، ومجئ إلا بعد ويأبى يدل على مستثنى منه محذوف، لأنه فعل موجب، والموجب لا تدخل معه إلا، لا تقول كرهت إلا زيدا. وتقدير المستثنى منه: ويأبى الله كل شيء إلا أن يتم قاله الزجاج. وقال علي بن سليمان: جاز هذا في أبي، لأنه منع وامتناع، فضارعت النفي. وقال الكرماني: معنى أبى هنا لا يرضى إلا أن يتم نوره بدوام دينه إلى أن تقوم الساعة. وقال الفراء: دخلت إلا لأن في الكلام طرفا من الجحد. وقال الزمخشري: أجرى أبى مجرى لم يرد. ألا ترى كيف قوبل يريدون أن يطفئوا بقوله: ويأبى الله، وكيف أوقع موقع ولا يريد الله إلا أن يتم نوره؟
* (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * هو محمد صلى الله عليه وسلم)، والهدى التوحيد، أو القرآن، أو بيان الفرائض أقوال ثلاثة. ودين الحق: الإسلام * (إن الدين عند الله الإسلام) * والظاهر أن الضمير في ليظهره عائد على الرسول لأنه المحدث عنه، والدين هنا جنس أي: ليعليه على أهل الأديان كلهم، فهو على حذف مضاف. فهو صلى الله عليه وسلم) غلبت أمته اليهود وأخرجوهم من بلاد العرب، وغلبوا النصارى على بلاد الشام إلى ناحية الروم والمغرب، وغلبوا المجوس على ملكهم، وغلبوا عباد الأصنام على كثير من بلادهم مما يلي الترك والهند، وكذلك سائر الأديان. وقيل: المعنى يطلعه على شرائع الدين حتى لا يخفى عليه شيء منه، فالدين هنا شرعه الذي جاء به. وقال الشافعي: قد أظهر الله رسول صلى الله عليه وسلم) على الأديان بأن أبان لكل من سمعه أنه الحق، وما خالفه من الأديان باطل. وقيل: الضمير يعود على الدين، فقال أبو هريرة، والباقر، وجابر بن عبد الله: إظهار الدين عند نزول عيسى ابن مريم ورجوع الأديان كلها إلى دين الإسلام، كأنها ذهبت هذه الفرقة إلى إظهاره على أتم وجوهه حتى لا يبقى معه دين آخر. وقالت فرقة: ليجعله أعلاها وأظهرها، وإن كان معه غيره كان دونه، وهذا القول لا يحتاج معه إلى نزول عيسى، بل كان هذا في صدر الأمة، وهو كذلك باق إن شاء الله تعالى. وقال السدي: ذلك عند خروج المهدي لا يبقى أحد إلا دخل في الإسلام وأدى الخراج. وقيل: مخصوص بجزيرة العرب، وقد حصل ذلك ما أبقى فيها أحدا من الكفار. وقيل: مخصوص بقرب الساعة، فإنه إذ ذاك يرجع الناس إلى دين آبائهم. وقيل: ليظهره بالحجة والبيان. وضعف هذا القول لأن ذلك كان حاصلا أول الأمر.
وقيل: نزلت على سبب وهو أنه كان لقريش رحلتان: رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام والعراقين، فلما أسلموا انقطعت الرحلتان لمباينة الدين والدار، فذكروا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم) فنزلت هذه الآية. فالمعنى: ليظهره على الدين كله في بلاد الرحلتين، وقد حصل هذا أسلم أهل اليمن وأهل الشام والعراقين. وفي الحديث: (رويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها) قال بعض العلماء: ولذلك اتسع