بالحرف عليه، التقدير: ونقص عليك من أنباء الرسل الأشياء الت نثبت بها فئادك جميعا أي: المثبتة فؤادك جميعا. قال ابن عباس: نثبت نسكن، وقال الضحاك: نشد، وقال ابن جريج: نقوي. وتثبيت الفؤاد هو بما جرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولاتباعهم المؤمنين، وما لقوا من مكذبيهم من الأذى، ففي هذا كله أسوة بهم، إذ المشاركة في الأمور الصعبة تهون ما يلقى الإنسان من الأذى، ثم الإعلام بما جرى على مكذبيهم من العقوبات المستأصلة بأنواع من العذاب من غرق وريح ورجفة وخسف، وغير ذلك فيه طمأنينة للنفس، وتأنيس بأن يصب الله من كذب الرسول صلى الله عليه وسلم) بالعذاب، كما جرى لمكذبي الرسل. وإنباء له عليه الصلاة والسلام بحسن العاقبة له ولأتباعه، كما اتفق للرسل وأتباعهم. والإشارة بقوله: في هذه، إلى أنباء الرسل التي قصها الله تعالى عليه، أي النبأ الصدق الحق الذي هو مطابق بما جرى ليس فيه تغيير ولا تحريف، كما ينقل شيئا من ذلك المؤرخون. وموعظة أي: اتعاظ وازدجار لسامعه، وذكرى لمن آمن، إذ الموعظة والذكرى لا ينتفع بها إلا المؤمن كقوله * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * وقوله: * (سيذكر من يخشى * ويتجنبها الاشقى) * وقال ابن عباس: الإشارة إلى السورة والآيات التي فيها تذكر قصص الأمم، وهذا قول الجمهور. ووجه تخصيص هذه أسورة بوصفها بالحق، والقرآن كله حق، أن ذلك يتضمن معنى الوعيد للكفرة والتنبيه للناظر، أي: جاءك في هذه السورة الحق الذي أصاب الأمم الظالمة. وهذا كما يقال عند الشدائد: جاء الحق، وإن كان الحق يأتي في غير شديدة وغير ما وجه، ولا تستعمل في ذلك جاء الحق. وقال الحسن وقتادة: الإشارة إلى دار الدنيا. قال قتادة: والحق النبوة. وقيل: إشارة إلى السورة مع نظائرها.
* (وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون) *: اعملوا صيغة أمر ومعناه: التهديد والوعيد، والخطاب لأهل مكة وغيرها. على مكانتكم أي: جهتكم وحالكم التي أنتم عليها. وقيل: اعملوا في هلاكي على إمكانكم، وانتظروا بناء الدوائر، إنا منتظرون أن ينزل بكم نحو ما اقتص الله من النقم النازلة بأشباهكم. ويشبه أن يكون إيتاء موادعة، فلذلك قيل: إنهما منسوختان، وقيل: محكمتان، وهما للتهديد والوعيد والحرب قائمة.
* (ولله غيب * السماوات والارض * إليه يرجعون * الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون) *: لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، ولاحظ لمخلوق في علم الغيب. وقرأ نافع وحفص: يرجع مبنيا للمفعول، الأمر كله أمرهم وأمرك، فينتقم لك منهم. وقال أبو علي الفارسي: علم ما غاب في السماوات والأرض، أضاف الغيب إليهما توسعا انتهى. والجملة الأولى دلت على أن علمه محيط بجميع الكائنات كليها وجزئيها حاضرها وغائبها، لأنه إذا أحاط علمه بما غاب فهو بما حضر محيط، إذ علمه تعالى لا يتفاوت. والجملة الثانية دلت على القدرة النافذة والمشيئة. والجملة الثالثة دلت على الأمر بإفراد من هذه صفاته بالعبادة الجسدية والقلبية، والعبادة أولى الرتب التي يتحلى بها العبد. والجملة الرابعة دلت على الأمر بالتوكل، وهي آخرة الرتب، لأنه بنور العبادة أبصر أن جميع الكائنات معذوقة بالله تعالى