تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٦٧
عن المفعول الثاني. قال ابن عطية: وقيل هي بمعنى يستعلمونك. قال: فهي على هذا تحتاج إلى مفاعيل ثلاثة: أحدها: الكاف، والابتداء، والخبر سد مسد المفعولين انتهى. وليس كما ذكر، لأن استعلم لا يحفظ كونها متعدية إلى مفاعيل ثلاثة، لا يحفظ استعلمت زيدا عمرا قائما فتكون جملة الاستفهام سدت مسد المفعولين، ولا يلزم من كونها بمعنى يستعلمونك أن تتعدى إلى ثلاثة، لأن استعلم لا يتعدى إلى ثلاثة كما ذكرنا. وارتفع هو على أنه مبتدأ، وحق خبره. وأجاز الحوفي وأبو البقاء أن يكون حق مبتدأ وهو فاعلى به سد مسد الخبر، وحق ليس اسم فاعلى ولا مفعول، وإنما هو مصدر في الأصل، ولا يبعد أن يرفع لأنه بمعنى ثابت. وهذا الاستفهام منهم على جهة الاستهزاء والإنكار. وقرأ الأعمش: الحق. قال الزمخشري: وهو أدخل في الاستهزاء لتضمنه معنى التعريض بأنه باطل، وذلك أن اللام للجنس، فكأنه قيل: أهو الحق لا الباطل، أو أهو الذي سميتموه الحق؟ انتهى. وأمر تعالى نبيه أن يقول مجيبا لهم: قل إي وربي، أي نعم وربي. وإي تستعمل في القسم خاصة، كما تستعمل هل بمعنى قد فيه خاصة. قال معناه الزمخشري قال: وسمعتهم يقولون في التصديق أي، وفيصلونه بواو القسم ولا ينطقون به وحده انتهى. ولا حجة فيما سمعه الزمخشري من ذلك لعدم الحجية في كلامه لفساد كلام العرب إذ ذاك وقبله بأزمان كثيرة. وقال ابن عطية: هي لفظة تتقدم القسم، وهي بمعنى نعم، ويجيء بعدها حرف القسم وقد لا يجيء، تقول: أي ربي أي وربي انتهى. وقد كان يكتفي في الجواب بقوله: أي وربي، إلا أنه أوكد بإظهار الجملة التي كانت تضمر بعد قوله: * (أي) *، مسوقة مؤكدة بأن. واللام مبايعة في التوكيد في الجواب، ولما تضمن قولهم أحق هو السؤال عن العذاب، وكان سؤالا عن العذاب اللاحق بهم لا عن مطلق عذاب يقع بمن يقع. قيل: وما أنتم بمعجزين أي فائتين العذاب المسؤول عنه، بل هو لاحق بكم. واحتملت هذه الجملة أن تكون داخلة في جواب القسم، فتكون معطوفة على الجواب قبلها. واحتمل أن تكون إخبارا، معطوفا على الجملة المقولة لا على جواب القسم. وأعجز الهمزة فيه للتعدية كما قال: ولن نعجزه هربا، لكنه كثر فيه حذف المفعول حتى قالت العرب: أعجز فلان إذا ذهب في الأرض فلم يقدر عليه، وقال الزجاج: أي ما أنتم ممن يعجز من يعذبكم.
* (ولو أن لكل نفس ظلمت ما فى الارض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) *:) * ولما ذكر العذاب وأقسم على حقيقته، وأنهم لا يفلتون منه، ذكر بعض أحوال الظالمين في الآخرة. وظلمت صفة لنفس. والظلم الشرك والكفر، وافتدى يأتي مطاوعا لفدى، فلا يتعدى تقول: فديته فافتدى، وبمعنى فدى فيتعدى، وهنا يحتمل الوجهين. وما في الأرض أي: ما كان لها في الدنيا من الخزائن والأموال والمنافع، وأسروا من الأضداد تأتي بمعنى أظهر. قال الفرزدق:
* ولما رأى الحجاج جرد سيفه * أسر الحروري الذي كان أطهرا * وقال آخر:
* فأسررت الندامة يوم نادى * برد جمال غاضرة المنادي * وتأتي بمعنى أخفى وهو المشهور فيها كقوله: * (*) * ولما ذكر العذاب وأقسم على حقيقته، وأنهم لا يفلتون منه، ذكر بعض أحوال الظالمين في الآخرة. وظلمت صفة لنفس. والظلم الشرك والكفر، وافتدى يأتي مطاوعا لفدى، فلا يتعدى تقول: فديته فافتدى، وبمعنى فدى فيتعدى، وهنا يحتمل الوجهين. وما في الأرض أي: ما كان لها في الدنيا من الخزائن والأموال والمنافع، وأسروا من الأضداد تأتي بمعنى أظهر. قال الفرزدق:
* ولما رأى الحجاج جرد سيفه * أسر الحروري الذي كان أطهرا * وقال آخر:
* فأسررت الندامة يوم نادى * برد جمال غاضرة المنادي * وتأتي بمعنى أخفى وهو المشهور فيها كقوله: * (يعلم ما يسرون وما يعلنون) * ويتمل هنا الوجهين. أما الإظهار فإنه ليس بيوم تصبر ولا تجلد ولا يقدر فيه الكافر على كتمان ما تاله، ولأن حالة رؤية العذاب يتحسر الإنسان على اقترافه ما أوجبه، ويظهر الندامة على ما فاته من الفوز ومن الخلاص من العذاب، وقد قالوا: ربنا
(١٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 ... » »»