تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ١٧١
فيه أو به، وهذا ضعيف لحذف هذا العائد. وجعل ما موصولة هو الوجه، لأن فيه إبقاء. أرأيت على بابها من كونها تتعدى إلى الأول فتؤثر فيه، بخلاف جعلها استفهامية، فإن أرأيت إذ ذاك تكون معلقة، ويكون ما قد سدت مسد المفعولين، والظاهر أن أم متصلة والمعنى: أخبروني آلله إذن لكم في التحليل والتحريم، فأنتم تفعلون ذلك بأذنه أم تكذبون على الله في نسبة ذلك إليه؟ فنبه بتوقيفهم على أحد القسمين، وهم لا يمكنهم ادعاء إذن الله في ذلك فثبت افتراؤهم. وقال الزمخشري: ويجوز أن تكون الهمزة للإنكار، وأم منقطعة بمعنى بل، أتفترون على الله تقريرا للافتراء انتهى، وأنزل هنا قيل معناه: خلق كقوله: * (وأنزلنا الحديد) * * ( وأنزل لكم من الانعام ثمانية أزواج) *. وقيل: أنزل على بابها وهو على حذف مضاف أي: من سبب رزق وهو المطر. وقال ابن عطية: أنزل لفظة فيها تجوز، وإنزال الرزق إما أن يكون في ضمن إنزال المطر بالمآل، ونزول الأمر به الذي هو ظهور الأثر في المخلوق منه المخترع والمجعول حراما وحلالا. قال مجاهد: هو ما حكموا به من تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وقال الضحاك: هو إشارة إلى قوله: * (وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والانعام نصيبا) *.
* (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ولاكن أكثرهم لا يشكرون) *: ما استفهامية مبتدأة خبرها ظن، والمعنى: أي شي ظن المفترين يوم القيامة، أبهم الأمر على سبيل التهديد، والإبعاد يوم يكون الجزاء بالإحسان والإساءة. ويوم منصوب بظن، ومعمول الظن قيل: تقدير ما ظنهم أن الله فاعل بهم، أينجيهم أم يعذبهم. وقرأ عيسى بن عمرو: ما ظن جعله فعلا ماضيا أي أي ظن الذين يفترون، فما في موضع نصب على المصدر، وما الاستفهامية قد تنوب عن المصدر تقول: ما تضرب زيدا تريد أي: رب تضرب زيدا.
وقال الشاعر:
* ماذا يغير ابنتي ريع عويلهما * لا يرقدان ولا بؤسي لمن رقدا * وجئ بلفظ ظن ماضيا لأنه كائن لا محالة فكأن قد كان، والأولى أن يكون ظن في معنى يظن، لكونه عاملا في يوم القيامة. وهو ظرف مستقبل، وفضله تعالى على الناس حيث أنعم عليهم ورحمهم، فأرسل إليهم الرسل، وفصل لهم الحلال والحرام، وأثرهم لا يشكر هذه النعمة.
* (وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا فى السماء ولا أصغر من ذالك) *: مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر جملة من أحوال الكفار ومذاهبهم والرد عليهم، ومحاورة الرسول صلى الله عليه وسلم) لهم، وذكر فضله تعالى على الناس وأن أكثرهم لا يشكره على فضله، ذكر تعالى اطلاعه على أحوالهم وحال الرسول معهم في مجاهدته لهم، وتلاوة القرآن عليهم، وأنه تعالى عالم بجميع أعمالهم، واستطرد من ذلك إلى ذكر أولياء الله تعالى، ليظهر التفاوت بين الفريقين فريق الشيطان وفريق الرحمن. والخطاب في قوله تعالى: وما تكون في شأن، وما تتلوا للرسول صلى الله عليه وسلم) وهو عام بجميع شؤونه عليه السلام. وما تتلوا مندرج تحت عموم شأن، واندرج من حيث المعنى في الخطاب كل ذي شأن. وما في الجملتين نافية، والضمير في منه عائد على شأن، ومن قرآن تفسير للضمير، وخص من العموم لأن القرآن هو أعظم شؤونه عليه السلام. وقيل: يعود على التنزيل، وفسر بالقرآن لأن كل جزء منه قرآن، وأضمر قبل الذكر على سبيل التفخيم له. وقيل: يعود على الله تعالى أي: وما تتلوا من عند الله من قرآن. والخطاب في قوله: ولا تعملون عام، وكذا إلا كنا عليكم شهودا. وولى إلا هنا الفعل غير مصحوب بقد، لأنه قد تقدم الأفعل. والجملة بعد إلا حال وشهودا رقباء نحصي عليكم، وإذ معمولة لقوله: شهودا. ولما كانت الأفعال السابقة المراد بها الحالة الدائمة وتنسحب على الأفعال الماضية كان الظرف ماضيا، وكان المعنى: وما كنت في شأن وما تلوت من قرآن
(١٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 ... » »»