قوله: كأن، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم، ويصح أن تكون في موضع نعت للمصدر كأنه قال: ويوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا، ويصح أن يكون قوله: كأن لم يلبثوا في موضع الحال من الضمير في نحشرهم انتهى. أما قوله: ويصح أن ينتصب بالفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا فإنه كلام مجمل لم يبين الفعل الذي يتضمنه كأن لم يلبثوا، ولعله أراد ما قاله الحوفي: من أن الكاف في موضع نصب بما تضمنت من معنى الكلام وهو السرعة انتهى. فيكون التقدير: ويوم نحشرهم يسرعون كأن لم يلبثوا، وأما قوله: والكاف من قوله كأن، يصح أن تكون في موضع الصفة لليوم، فلا يصح لأن يوم نحشرهم معرفة، والجمل نكرات، ولا تنعت المعرفة بالنكرة. لا يقال: إن الجمل الذي يضاف إليها أسماء الزمان نكرة على الإطلاق، لأنها إن كانت في التقدير تنحل إلى معرفة، فهن ما أضيف إليها يتعرف وإن كانت تنحل إلى نكرة كان ما أضيف إليها نكرة، تقول: مررت في يوم قدم زيد الماضي، فتصف يوم بالمعرفة، وجئت ليلة قدم زيد المباركة علينا. وأيضا فكأن لم يلبثوا لا يمكن أن يكون صفة لليوم من جهة المعنى، لأن ذلك من وصف المحشورين لا من وصف يوم حشرهم. وقد تكلف بعضهم تقدير محذوف بربط فقدره: كأن لم يلبثوا قبله، فحذف قبله أي قبل اليوم، وحذف مثل هذا الرابط لا يجوز. فالظاهر أنها جملة حالية من مفعول نحشرهم كما قاله ابن عطية آخرا، وكذا أعربه الزمخشري وأبو البقاء.
قال الزمخشري: (فإن قلت): كأن لم يلبثوا ويتعارفون كيف موقعهما؟ (قلت): أما الأولى فحال منهم أي: نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة. وأما الثانية فإما أن تتعلق بالظرف يعني: فتكون حالا، وإما أن تكون مبينة لقوله: كأن لم يلبثوا إلا ساعة، لأن التعارف يبقى مع طول العهد وينقلب تناكرا انتهى. وقال الحوفي: يتعارفون فعل مستقبل في موضع الحال من الضمير في يلبثوا وهو العامل، كأنه قال: متعارفين، المعنى: اجتمعوا متعارفين. ويجوز أن يكون حالا من الهاء والميم في نحشرهم وهو العامل انتهى. وأما قول ابن عطية: ويصح أن يكون في موضع نصب للمصدر، كأنه قال: ويوم نحشرهم حشرا كأن لم يلبثوا، فقد حكاه أبو البقاء فقال: وقيل هو نعت لمصدر محذوف أي حشرا كأن لم يلبثوا قبله انتهى. وقد ذكرنا أن حذف مثل هذا الرابط لا يجوز. وجوزوا في يتعارفون أن يكون حالا على ما تقدم ذكره من الخلاف في ذي الحال والعامل فيها، وأن يكون جملة مستأنفة، أخبر تعالى أنه يقع التعارف بينهم. وقال الكلبي: يعرف بعضهم بعضا كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم، وهو تعارف توبيخ وافتضاح، يقول بعضهم لبعض: أنت أضللتني وأغويتني، وليس تعارف شفقة وعطف، ثم تنقطع المعرفة إذا عاينوا أهوال القيامة، كما قال تعالى: * (ولا يسئل حميم حميما * يبصرونهم) *. وقيل: يعرف بعضهم بعضا ما كانوا عليه من الخطأ والكفر. وقال الضحاك: تعارف تعاطف المؤمنين، والكافرون لا أنساب بينهم. وقيل: القيامة مواطن، ففي موطن يتعارفون وفي موطن لا يتعارفون، والظاهر أن قوله: قد خسر الذين إلى آخره جملة مستأنفة، أخبر تعالى بخسران المكذبين بلقائه. قال الزمخشري: هو استئناف فيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أخسرهم. وقال أيضا: وابتدأ به قد خسر على إرادة القول أي: يتعارفون بينهم قائلين ذلك. قال ابن عطية: وقيل إنه إخبار المحشورين على جهة التوبيخ لأنفسهم انتهى. وهذا يحتمل أن يكون كقول الزمخشري: يتعارفون بينهم قائلين ذلك، وأن يكون كقول غيره: نحشرهم قائلين قد خسر، فاحتمل هذا المقدر أن يكون معمولا ليتعارفون، وأن يكون معمولا لنحشرهم، ونبه على العلة الموجبة للخسران وهو التكذيب بلقاء الله. وما كانوا مهتدين: الظاهر أنه معطوف على قوله: قد خسر، فيكون من كلام المحشورين إذا قلنا: إن قوله قد خسر من كلامهم، أخبروا عن أنفسهم بخسرانهم في الآخرة وبانتفاء هدايتهم في الدنيا. ويحتمل أن يكون معطوفا على صلة الذين أي: كذبوا بلقاء الله، وانتفت هدايتهم في الدنيا. ويحتمل أن تكون الجملة كالتوحيد بجملة الصلة، لأن من كذب بلقاء الله هو غير مهتد. وقيل: وما كانوا مهتدين إلى غاية مصالح التجارة. وقيل: للإيمان. وقيل: في علم الله، بل هم ممن حتم ضلالهم وقضى به.
* (وإما نرينك بعض الذى نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون) *: إما هي إن