إليها وهو القرآن، والمتصف بهذه الأوصاف الشريفة هو القرآن. قال الزمخشري: أي قد جاءكم كتاب جامع لهذه الفوائد من موعظة وتنبيه على التوحيد، هو شفاء أي: دواء لما في صدوركم من العقائد الفاسدة، ودعاء إلى الحق ورحمة لمن آمن به منكم انتهى. ومن ربكم يحتمل أن يتعلق بجاءتكم، فمن لابتداء الغاية. ويحتمل أن يكون في موضع الصفة أي: من مواعظ ربكم، فتتعلق بمحذوف، فمن للتبعيض. وفي قوله: من ربكم تنبيه على أنه من عند الله ليس من عند أحد. قال ابن عطية: وجعله موعظة بحسب الناس أجمع، وجعله هدى ورحمة بحسب المؤمنين، وهذا تقسيم صحيح المعنى إذا تؤول بأن وجهه انتهى. وذكر أبو عبد الله الرازي هنا كلاما كثيرا ممزوجا بما يسمونه حكمة، نعلم قطعا أن العرب لا تفهم ذلك الذي قرره من ألفاظ القرآن، وطول في ذلك، وضرب أمثلة حسية يوقف عليها من تفسيره، ثم قال آخر كلامه: فالحاصل أن الموعظة إشارة إل تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي وهو الشريعة، والشفاء إشارة إلى تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الريقة، والهدى إشارة إل ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة، والرحمة إشارة إل كونها بالغة في الكمال، والإشراق إل حيث تصير تكمل الناقصين وهي النبوة. فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه الألفاظ القرآنية، لا يمكن تأخر ما تقدم ذكره، ولا تقدم ما تأخر ذكره.
* (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) *: قال الزمخشري عن أبي بن كعب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قرأ: قل بفضل الله وبرحمته فقال: * (بكتاب * الله) * فضله الإسلام، ورحمته ما وعد عليه انتهى. ولو صح هذا الحديث لم يمكن خلافه. قال ابن عباس، والحسن، وقتادة، وهلال بن يساف: فضل الله الإسلام، ورحمته القرآن. وقال الضحاك وزيد بن أسلم عكس هذا، وقال أبو سعيد الخدري: الفضل القرآن، والرحمة أن جعلهم من أهله. وقال ابن عباس فيما روى الضحاك عنه: الفضل العلم والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم). وقال ابن عمر: الفضل الإسلام، والرحمة تزيينه في القلوب. وقال مجاهد:
الفضل والرحمة القرآن، واختاره الزجاج. وقال خالد بن معدان: الفضل القرآن، والرحمة السنة. وعنه أيضا أن الفضل الإسلام، والرحمة الستر. وقال عمرو بن عثمان: فضل الله كشف الغطاء، ورحمته الرؤية واللقاء. وقال الحسين بن فضل: الفضل الإيمان، والرحمة الجنة. وقيل: الفضل التوفيق، والرحمة العصمة. وقيل: الفضل نعمه الظاهرة، والرحمة نعمه الباطنة. وقال الصادق: الفضل المغفرة، والرحمة التوفيق. وقال ذون النون: الفضل الجنان، ورحمته النجاة من النيران. وهذه تخصيصات تحتاج إلى دلائل، وينبغي أن يعتقد أنها تمثيلات، لأن الفضل والرحمة أريد بهما تعيين ما ذكر وحصرهما فيه.
وقال ابن عطية: وإنما الذي يقتضيه اللفظ ويلزم منه أن الفضل هو هداية الله إلى دينه والتوفيق إلى اتباع الشرع، والرحمة هي عفوه وسكنى جنته التي جعلها جزاء على اتباع الإسلام والإيمان. ومعنى الآية: قل يا محمد لجميع الناس بفضل الله وبرحمته فليقع الفرح منكم، لا بأمور الدنيا وما يجمع من حطامها، فالمؤمنون يقال لهم: فليفرحوا وهم ملتبسون بعلة الفرح وسببه، ومخلصون لفضل الله منتظرون لرحمته، والكافرون يقال لهم: بفضل الله ورحمته فليفرحوا على معنى أن لو اتفق لكم أو لو سعدتم بالهداية إلى تحصيل ذلك انتهى. والظاهر أن قوله: قل بفضل الله وبرحمته، فبذلك فليفرحوا جملتان، وحذف ما تتعلق به الباء والتقدير: قل بفضل الله وبرحمته ليفرحوا، ثم عطفت الجملة الثانية على الأولى على سبيل التوكيد. قال الزمخشري: والتكرير للتقرير والتأكيد، وإيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا، فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه، والفاء داخلة لمعنى الشرط كأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما. ويجوز أن يراد بفضل الله وبرحمته فليعتنوا بذلك، فليفرحوا. ويجوز أن يراد قد جاءتكم موعظة بفضل الله وبرحمته فبذلك أي: فمجيئهما فليفرحوا انتهى. أما إضمار