تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٦٨
قال الزمخشري (فإن قلت): إن أريد * (صدقهم) * في الآخرة فليست بدار عمل، وإن أريد في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه، لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة.
(قلت): معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم انتهى، وهذا بناء على قول من قال: إن هذا القول يكون من الله تعالى في الآخرة وقد اتبع الزمخشري الزجاج في قوله: هذا حقيقته الحكاية ومعنى * (ينفع الصادقين صدقهم) * الذي كان في الدنيا ينفعهم في القيامة، لأن الآخرة ليست بدار عمل ولا ينفع أحدا فيها ما قال وإن حسن، ولو صدق الكافر وأقر بما عمل فقال: كفرت وأسأت ما نفعه، وإنما الصادق الذي ينفعه صدقه الذي كان فيه في الدنيا والآخرة؛ انتهى. والظاهر أنه ابتداء كلام من الله تعالى. وقال السدي: هذا فصل من كلام عيسى عليه السلام أي: يقول عيسى يوم القيامة: قال الله تعالى: واختلف في هذا اليوم، فقيل: يوم القيامة كما ذكرناه وخص بالذكر لأنه يوم الجزاء الذي فيه تجبي ثمرات الصدق الدائمة الكاملة، وإلا فالصدق ينفع في كل يوم وكل وقت. وقيل: هو يوم من أيام الدنيا فإن العمل لا ينفع إلا إذا كان في الدنيا والصادقون هنا النبيون وصدقهم تبليغهم، أو المؤمنون وصدقهم إخلاصهم في إيمانهم أو صدق عهودهم أو صدقهم في العمل لله تعالى، أو صدقهم تركهم الكذب على الله وعلى رسله أو صدقهم في الآخرة في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ أو شهدوا به على أنفسهم من أعمالهم، ويكون وجه النفع فيه أن يكفوا المؤاخذة بتركهم كتم الشهادة فيغفر لهم بإقرارهم لأنبيائهم وعلى أنفسهم أقوال ستة، والظاهر العموم فكل صادق بنفعه صدقه.
* (لهم جنات تجرى من تحتها الانهار) * هذا كأنه جواب سائل ما لهم جزاء على الصدق؟ فقيل: لهم جنات.
* (خالدين فيها أبدا) * إشارة إلى تأييد الديمومية في الجنة.
* (رضى الله عنهم ورضوا عنه) * قيل: بقبول حسناتهم ورضوا عنه بما آتاهم من الكرامة. وقيل: بطاعتهم ورضوا عنه في الآخرة بثوابه. وقال الترمذي: بصدقهم ورضوا عنه بوفاء حقهم. وقيل: في الدنيا ورضوا عنه في الآخرة. وقال أبو عبد الله الرازي: في قوله * (رضى الله عنهم) * هو إشارة إلى التعظيم هذا على ظاهر قول المتكلمين، وأما عند أصحاب الأرواح المشرفة بأنوار جلال الله تعالى فتحت قوله: * (رضى الله عنهم ورضوا عنه) * أسرار عجيبة لا تسمح الأقلام بمثلها جعلنا الله من أهلها؛ انتهى، وهو كلام عجيب شبيه بكلام أهل الفلسفة والتصوف.
* (ذالك الفوز العظيم) * ذلك إشارة إلى ما تقدم من كينونة الجنة لهم على التأبيد وإلى رضوان الله عنهم، لأن الجنة بما فيها كالعدم بالنسبة إلى رضوان الله وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال: (يطلع الله على أهل الجنة فيقول: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون: يا ربنا وكيف لا نرضى وقد بعدتنا عن نارك وأدخلتنا جنتك، فيقول الله تعالى: ولكم عندي أفضل من ذلك فيقولون: وما أفضل من ذلك؟ فيقول الله عز وجل: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعدها أبدا).
* (لله ملك * السماوات والارض * وما فيهن وهو على كل شىء قدير) * لما ادعت النصارى في عيسى وأمه الألوهية اقتضت الدعوى أن يكونا مالكين قادرين فرد الله عليهم. قال ابن
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»