نظير هذه الجملة في آل عمران إلا أن هناك * (بالله فإذا) * لأنه تقدم ذكر الله فقط في قوله: * (من أنصارى إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله) * وهنا جاء * (قالوا ءامنا) * فلم يتقيد بلفظ الجلالة إذ قد تقدم أن آمنوا وبرسولي وجاء هناك * (واشهد بأنا) *، وهنا * (واشهد بأننا) *. وهذا هو الأصل إذ أن محذوف منه النون لاجتماع الأمثال.
* (إذ قال الحواريون ياعيسى * عيسى ابن مريم * هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * قال ابن عطية: * (إذ قال الحواريون) * اعتراض لما وصف حال قوم الله لعيسى يوم القيامة وتضمن الاعتراض إخبار محمد صلى الله عليه وسلم) وأمته بنازلة الحواريين في المائدة إذ هي مثال نافع لكل أمة مع نبيها انتهى. والذي يقتضيه ظاهر اللفظ أن قوله تعالى: * (إذ قال الله ياعيسى * عيسى ابن مريم * اذكر نعمتى عليك) * إلى آخر قصة المائدة كان ذلك في الدنيا ذكر عيسى بنعمه وبما أجراه على يديه من المعجزات وباختلاف بني إسرائيل عليه وانقسامهم إلى كافر ومؤمن وهم الحواريون ثم استطرد إلى قصة المائدة ثم إلى سؤاله تعالى لعيسى * (قلت للناس اتخذونى) *، وإنما حمل بعضهم على أن ذلك في الآخرة كونه اعتقد أن * (إذ) * بدلا من * (يوم يجمع الله الرسل) * وأن في آخر الآيات * (هاذا يوم ينفع الصادقين) * ولا يتعين هذا المحمل على ما نبينه إن شاء الله تعالى في قوله: * (هاذا يوم ينفع) * بل الظاهر ما ذكرناه. وقرأ الجمهور * (هل يستطيع ربك) * بالياء وضم الباء. وهذا اللفظ يقتضي ظاهره الشك في قدرة الله تعالى على أن ينزل مائدة من السماء، وذلك هو الذي حمل الزمخشري على أن الحواريين لم يكونوا مؤمنين قال: (فإن قلت): كيف قالوا هل يستطيع ربك بعد إيمانهم وإخلاصهم (قلت): ما وصفهم الله بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم أتبعه قوله: * (إذ قالوا) * فآذن أن دعواهم كانت باطلة وأنهم كانوا شاكين وقوله: * (هل يستطيع ربك) * كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم ولذلك قول عيسى لهم معناه اتقوا الله ولا تشكوا في اقتداره واستطاعته ولا تقترحوا عليه ولا تتحكموا ما تشتهون من الآيات فتهلكوا إذا عصيتموه بعدها. * (إن كنتم مؤمنين) * إن كانت دعواكم للإيمان صحيحة انتهى. وأما غير الزمخشري من أهل التفسير فأطبقوا على أن الحواريين كانوا مؤمنين حتى قال ابن عطية: لا خلاف أحفظه في أن الحواريين كانوا مؤمنين، وقال قوم: قال الحواريون هذه المقالة في صدر الأمر قبل علمهم بأنه يبرئ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى، قال المفسرون والحواريون هم خواص عيسى وكانوا مؤمنين ولم يشكوا في قدرة الله تعالى على ذلك. قال ابن الأنباري: لا يجوز لأحد أن يتوهم أن الحواريين شكوا في قدرة الله وإنما هذا كما يقول الإنسان لصاحبه: هل تستطيع أن تقوم معي؟ وهو يعلم أنه مستطيع له، ولكنه يريد هل يسهل عليك انتهى. وقال الفارسي: معناه هل يفعل ذلك بمسألتك إياه. وقال الحسن لم يشكوا في قدرة الله وإنما سألوه سؤال مستخبر هل ينزل أم لا فإن كان ينزل فاسأله لنا. قال ابن عطية هل يفعل تعالى هذا وهل يقع منه إجابة إليه كما قال لعبد الله بن زيد: هل يستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يتوضأ فالمعنى هل يحب ذلك وهل يفعله انتهى. وقيل المراد من هذا الكلام استفهام أن ذلك جائز أم لا وذلك لأن أفعاله موقوفة على وجوه الحكمة فإن لم يحصل شيء من وجوه الحكمة كان الفعل ممتنعا فإن المنافي من وجوه الحكمة كالمنافي من وجوه القدرة. قال أبو عبد الله الرازي هذا الجواب يمشي على قول المعتزلة، وأما على مذهبنا فهو محمول على أنه تعالى هل قضى بذلك وهل علم وقوعه فإنه إن لم يقص به ويعلم وقوعه كان ذلك محالا غير مقدور لأن خلاف المعلوم غير مقدور، وقال أيضا ليس المقصود من هذا الكلام كونهم شاكين فيه، بل المقصود تقرير أن ذلك في غاية الظهور كمن يأخذ بيد ضعيف ويقول: هل يقدر