تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٦٧
بالشرط الثاني ولا يكون له بالشرط الأول تعلق وهو ما أنزله الله تعالى وأجمع على قراءته المسلمون معذوق بالشرطين كلاهما أولهما وآخرهما، إذ تلخيصه إن تعذبهم فأنت عزيز حكيم وإن تغفر لهم فأنت العزيز الحكيم في الأمرين كلاهما من التعذيب والغفران، فكان العزيز الحكيم أليق بهذا المكان لعمومه، وأنه يجمع الشرطين ولم يصلح الغفور الرحيم أن يحتمل ما احتمله العزيز الحكيم؛ انتهى. وأما قول من ذهب إلى أن في الكلام تقديما وتأخير تقديره إن تعذبهم فإنك أنت العزيز وإن تغفر لهم فإنهم عبادك، فليس بشيء وهو قول من اجترأ على كتاب الله بغير علم. روى النسائي عن أبي ذر قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم) حتى أصبح بهذه الآية * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) *.
* (قال الله هاذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) * قرأ الجمهور هذا يوم بالرفع على أن هذا مبتدأ ويوم خبره والجملة محكية بقال وهي في موضع المفعول به، لقال: أي هذا الوقت وقت نفع الصادقين وفيه إشارة إلى صدق عيسى عليه السلام. وقرأ نافع * (هاذا يوم) * بفتح الميم وخرجه الكوفيون على أنه مبني خبر لهذا وبني لإضافته إلى الجملة الفعلية، وهم لا يشترطون كون الفعل مبنيا في بناء الظرف المضاف إلى الجملة، فعلى قولهم تتحد القراءتان في المعنى. وقال البصريون: شرط هذا البناء إذا أضيف الظرف إلى الجملة الفعلية أن يكون مصدرا بفعل مبني، لأنه لا يسري إليه البناء لا من المبني الذي أضيف إليه، والمسألة مقررة في علم النحو فعلى قول البصريين: هو معرب لا مبني وخرج نصبه على وجهين ذكرهما الزمخشري وغيره أحدهما: أن يكون ظرفا لقال وهذا إشارة إلى المصدر فيكون منصوبا على المصدرية، أي: قال الله هذا القول أو إشارة إلى الخبر أو القصص، كقولك: قال زيد شعرا أو قال زيد: خطبة فيكون إشارة إلى مضمون الجملة، واختلف في نصبه أهو على المصدرية أو ينتصب مفعولا به؟ فعلى هذا الخلاف ينتصب إذا كان إشارة إلى الخبر أو القصص نصب المصدر أو نصب المفعول به. قال ابن عطية: وانتصابه على الظرف وتقدير * (قال الله هاذا) * القصص أو الخبر * (يوم ينفع) * معنى يزيل وصف الآية وبهاء اللفظ والمعنى، والوجه الثاني أن يكون ظرفا خبر هذا وهذا مرفوع على الابتداء والتقدير، هذا الذي ذكرناه من كلام عيسى واقع يوم ينفع ويكون هذا يوم ينفع جملة محكية بقال. قال الزمخشري: وقرأ الأعمش يوما ينفع بالتنوين كقوله * (واتقوا يوما لا تجزى) *. وقال ابن عطية: وقرأ الحسن بن عياش الشامي * (هاذا يوم) * بالرفع والتنوين. وقرأ الجمهور * (صدقهم) * بالرفع فاعل ينفع وقرئ بالنصب، وخرج على أنه مفعول له أي لصدقهم أو على إسقاط حرف الجر أي بصدقهم أو مصدر مؤكد، أي الذين يصدقون صدقهم أو مفعول به أي يصدقون الصدق كما تقول: صدقته القتال والمعنى يحققون الصدق
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»