تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٦٤
سبحانه، انتهى، وفيه بعض تلخيص.
* (تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك) * خص النفس لأنها مظنة الكتم والانطواء على المعلومات. قيل: المعنى: تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي. وقيل: تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك. وقيل: تعلم سري ولا أعلم سرك. وقال الزمخشري: تعلم معلومي ولا أعلم معلومك وأتى بقوله: * (ما فى نفسك) * على جهة المقابلة والتشاكل لقوله * (ما فى نفسى) * فهو شبيه بقوله: * (ومكروا ومكر الله) * وقوله: * (إنما نحن مستهزءون * الله يستهزىء بهم) * ومن زعم أن النفس تطلق على ذات الشيء وحقيقته، كان المعنى عنده تعلم كنه ذاتي ولا أعلم كنه ذاتك، وقد استدلت المجسمة بقوله * (تعلم ما فى نفسى ولا أعلم ما فى نفسك) * قالوا: النفس هي الشخص وذلك يقتضي كونه جسما. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
* (إنك أنت علام الغيوب) * هذا تقرير للجملتين معا لأن ما انطوت عليه النفوس من جملة الغيوب ولأن ما يعلمه * (علام الغيوب) * لا ينتهي إليه أحد، فإذا كنت أنت المختص بعلم الغيب فلا علم لي بالغيب فكيف تكون لي الألوهية وخرج الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم) فلقاه الله * (سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق) * الآية كلها. قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح.
* (ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به أن اعبدوا الله ربى وربكم) * أخبر أنه لم يتعد أمر الله في أن أمر بعبادته وأقر بربوبيته. وفي قوله: * (ربى وربكم) * راءة مما ادعوه فيه، وفي الإنجيل قال: يا معاشر بني المعمودية قوموا بنا إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم ومخلصي ومخلصكم. وقال أبو عبد الله الرازي: كان الأصل أن يقال ما أمرتهم إلا ما أمرتني به، إلا أنه وضع القول موضع الأمر نزولا على موجب الأدب. وقال الحسن: إنما عدل لئلا يجعل نفسه وربه آمرين معا ودل على أن الأصل ما ذكر أن المفسرة؛ انتهى. قال الحوفي وابن عطية: وإن في * (بأن * اعبدوا) * مفسرة، لا موضع لها من الإعراب ويصح أن يكون بدلا من من ما وصح أن يكون بدلا من الضمير في به، زاد ابن عطية أنه يصح أن يكون في محل خفض على تقديره. * (أن اعبدوا) *، وأجاز أبو البقاء الجر على البدل من الهاء والرفع على إضمار هو والنصب على إضمار أعني أو بدلا من موضع به. قال: ولا يجوز أن تكون بمعنى أن المفسرة، لأن القول قد صرح به، وأن لا تكون مع التصريح بالقول. وقال الزمخشري أن في قوله * (أن اعبدوا الله) * إن جعلتها مفسرة لم يكن لها بد من مفسر، والمفسر إما فعل القول وإما فعل الأمر وكلاهما لا وجه له، أما فعل القول فيحكى بعده الكلام من غير أن يوسط بينهما حرف التفسير لا تقول ما قلت لهم إلا * (أن اعبدوا الله ربى وربكم) * ولكن ما قلت لهم إلا اعبدوا الله وأما فعل الأمر فمسند إلى
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»