تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٦٥
ضمير الله تعالى فلو فسرته باعبدوا الله ربي وربكم لم يستقم لأن الله لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم، وإن جعلتها موصولة بالفعل لم يخل من أن تكون بدلا من ما أمرتني به أو من الهاء في به وكلاهما غير مستقيم، لأن البدل هو الذي يقوم مقام المبدل منه، ولا يقال ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله بمعنى ما قلت لهم إلا عبادته لأن العبادة لا تقال وكذلك إذا جعلته بدلا من الهاء لأنك لو أقمت * (أن اعبدوا الله) * لم يصح لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته.
(فإن قلت): فكيف تصنع؟ (قلت): يحمل فعل القول على معناه لأن معنى * (ما قلت لهم إلا ما أمرتنى به) * ما أمرتهم إلا بما أمرتني به حتى يستقيم تفسيره ب * (أن اعبدوا الله ربى وربكم) * ويجوز أن تكون موصولة عطفا على بيان الهاء لا بدلا؛ انتهى، وفيه بعض تلخيص. أما قوله: وأما فعل الأمر إلى آخر المنع، وقوله لأن الله تعالى لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم فإنما لم يستقم لأنه جعل الجملة وما بعدها مضمومة إلى فعل الأمر، ويستقيم أن يكون فعل الأمر مفسرا بقوله * (اعبدوا الله) * ويكون ربي وربكم من كلام عيسى على إضمار أعني أي أعني ربكم وربكم لا على الصفة التي فهمها الزمخشري، فلم يستقيم ذلك عنده. وأما قوله: لأن العبادة لا تقال فصحيح لكن ذلك يصح على حذف مضاف، أي: ما قلت لهم إلا القول الذي أمرتني به قول عبادة الله، أي القول المتضمن عبادة الله. وأما قوله لبقاء الموصول بغير راجع إليه من صلته فلا يلزم في كل بدل أن يحل محل المبدل منه، ألا ترى إلى تجويز النحويين: زيد مررت به أبي عبد الله، ولو قلت زيد مررت بأبي عبد الله لم يجز ذلك عندهم إلا على رأي الأخفش. وأما قوله عطفا على بيان الهاء، فهذا فيه بعد لأن عطف البيان أكثره بالجوامد الأعلام، وما اختاره الزمخشري وجوزه غيره من كون أن مفسرة لا يصح لأنها جاءت بعد إلا، وكل ما كان بعد إلا المستثنى بها فلا بد أن يكون له موضع من الإعراب وأن التفسيرية لا موضع لها من الإعراب، وانظر إلى ما تضمنت محاورة عيسى وجوابه مع الله تعالى لما قرع سمعه ما لا يمكن أن يكون نزه الله تعالى وبرأه من السوء، ومن أن يكون معه شريك ثم أخبر عن نفسه أنه لا يمكن أن يقول ما ليس له بحق، فأتى بنفي لفظ عام، وهو لفظ ما المندرج تحته كل قول ليس بحق حتى هذا القول المعين، ثم تبرأ تبرؤا ثالثا وهو إحالة ذلك على علمه تعالى وتفويض ذلك إليه، وعيسى يعلم أنه ما قاله، ثم لما أحال على العلم أثبت علم الله به ونفى علمه بما هو لله وفيه إشارة إلى أنه لا يمكن أن يهجس ذلك في خاطري فضلا عن أن أفوه به وأقوله، فصار مجموع ذلك نفي هذا القول، ونفي أن يهجس في النفس، ثم علل ذلك بأنه تعالى مستأثر بعلم الغيب، ثم لما نزه الله تعالى وانتفى عنه قول ذلك وأن يخطر ذلك في نفسه انتقل إلى ما قاله لهم فأتى به محصورا بإلا معذوقا بأنه هو الذي أمره الله به أن يبلغهم عنه.
* (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * أي رقيبا كالشاهد على المشهود عليه، أمنعهم من قول ذلك وأن يتدينوا به، وأتي بصيغة فعيل للمبالغة كثير الحفظ عليهم والملازمة لهم وما ظرفية ودام تامة أي ما بقيت فيهم، أي شهيدا في الدنيا.
* (فلما توفيتنى) * قيل: هذا يدل على أنه توفاه وفاة الموت قبل أن يرفعه، وليس بشيء لأن الأخبار تظافرت برفعه حيا، وأنه في السماء حي وأنه ينزل ويقتل الدجال، ومعنى * (توفيتنى) * قبضتني إليك بالرفع. وقال الحسن: الوفاة وفاة الموت ووفاة النوم ووفاة الرفع.
وقال الزمخشري: * (كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شهيد) *
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»